بقلم : سناء غابري ، صحفية تونسية
احتفلت تونس مثل سائر دول العالم يوم 8 مارس باليوم العالمي للمرأة ,فهي الأم و الأخت و الزوجة كما أنها القائدة القادرة على تربية شباب وشابات المجتمع تربيةً طيبة، وهي الأكثر تأثيراً فيهم وإسهاماً في نجاحاتهم, لذلك يُعدّ دور المرأة من أكثر الأدوار الإنسانية تأثيراً في المجتمع.
وقد كانت تونس من الدول العربية والإسلامية السباقة في وضع العديد من التشريعات والقوانين التي تحمي المرأة وتضمن حقوقها ولعل أبرزها مجلة الأحوال الشخصية التي تهدف إلى ضمان حقوق المرأة عدة مجالات مثل : منع تعدد الزوجات، ومنح حق الطلاق، والحق في التعليم، والحق في العمل، وقد ساهمت في تطور وضع النساء الى الأحسن رغم وجود نقائص أخرى، مما جعل المرأة في تونس عنصرًا فاعلًا في المجتمع .
كما نجد القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي يسعى الى الحد من ظاهرة العنف المسلط على النساء بجميع أنواعه ، ولوضع حد لإفلات مرتكبي الجرائم ضد النساء من العقاب ، وقد كثرت الجمعيات والمنظمات التي تركز أنشطتها على حقوق المرأة سعيا منها الى تغيير واقع المرأة التي تعاني من التمييز و العنف و التحرش و الاقصاء… ومنها نذكر الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات و جمعية تونسيات ، و جمعية صورة وصوت المرأة وأصوات نساء…
كما صادقت تونس على العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق النساء,و بالرغم من تقدمها في هذا المجال مقارنة ببقية الدول العربية والإسلامية يبقى ذلك غير كاف نظرا لتعدد الانتهاكات التي تطال المرأة اليوم من عنف لفظي ومادي سواء من قبل عائلتها ، او من المجتمع أو في مكان عملها ,مازالت المراة إلى يومنا هذا لا تتمتع بحقوقها التي شرعها لها الدستور، حيث استحوذت قضايا العنف المسجلة داخل الفضاء الأسري خلال السداسي الأول من سنة 2020 على نسبة تصل إلى 76 بالمائة من مجموع الاعتداءات ضدّ المرأة والطفل، حسب وزارة الداخلية.
كذلك تعاني النساء في المناطق البعيدة عن العاصمة من التهميش والعنف أكثر من غيرها ، وتفتقر لأبسط حقوقها حيث مثلت النساء في المناطق الداخلية فئة الكادحات اللاتي يضطررن الى العمل في الفلاحة ، فالعديد من النساء يتعرضن إلى سوء المعاملة إلى جانب التخفيض المستمر لأجورهن خلافًا للقانون الذي يضبط الأجر الذي يتلقاه الفلاحون. كما تعاني النساء العاملات في الفلاحة من أخطار صحية نتيجة ظروف العمل القاسية أو خطورة وسائل المواصلات التي تنقلهن إلى المزارع .
ولا ننسى دور المرأة في الحياة السياسية و المساهمة في الشأن العام حيث أنه بالرغم من وجود مبدأ التناصف في الترشح للخطط السياسية، وقد تطورت هذه المسألة من تناصف عمودي إلى تناصف أفقي (تناصف ليس فقط في عدد المرشحين والمرشحات في قائمة واحدة وإنما تناصف أيضا في رئاسة القوائم الانتخابية),إلا أن مشاركة المرأة في الشأن السياسي كان ضعيفا.
كما كان حضورها ضئيلا في المناصب الوزارية والسيادية ، حيث أنها كانت مغيبة تماما في بعض الأحيان ، ونذكر على سبيل المثال التحوير الوزاري الأخير الذي قام به رئيس الحكومة هشام المشيشي ،وهو ما عابته العديد من منظمات المجتمع المدني معتبرة ذلك تناقضا مع مبدأ التناصف الذي ينص عليه الفصل 46 من دستور سنة 2014 ، وهو عيب ماثل في اقصاء وتهميش المرأة.
لذلك فالدولة التونسية مطالبة بتحقيق القوانين والتشريعات التي تحمي حقوق المرأة على أرض الواقع ،وترجع مسؤولية وقاية المرأة من العنف إلى مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني. فعلى الدولة الالتزام بوضع السياسات وخطط العمل الوطنية والبرامج المشتركة أو القطاعية بهدف القضاء على العنف ضد المرأة.
كما يطالب القانون باتخاذ كل التدابير اللازمة للقضاء على كافة الممارسات التمييزية ضد المرأة خاصة على مستوى الأجر والتغطية الاجتماعية في جميع القطاعات، ومنع الاستغلال الاقتصادي للمرأة وتشغيلها في ظروف قاسية أو مهينة أو مضرة بصحتها وسالمتها وكرامتها.
ومن جهة أخرى فالوزارات المكلفة بالتربية والتعليم العالي ، والتكوين المهني والثقافة والصحة والشباب والرياضة والشؤون الدينية، مطالبة بأن تضع برامج تعليمية وتربوية تهدف إلى نبذ ومكافحة العنف ،والتمييز ضد المرأة وترسيخ مبادئ حقوق الانسان والمساواة بين الجنسين والتثقيف الصحي والجنسي.
فهذه المؤسسات مطالبة بتنظيم دورات تدريبية للمربين على التربية حول المساواة ، وعدم التمييز ومكافحة العنف وأن تحدث خلايا إصغاء، ومكاتب عمل اجتماعي ونوادي صحية بالتعاون مع الأطراف المعنية وأن تعمل على نشر ثقافة التربية على حقوق الانسان ،وترسيخها لدى الناشئة بصفة خاصة.
فجميع مؤسسات ومنشات الدولة مطالبة بالتعاون والتشاور فيما بينها الى جانب التواصل مع المجتمع المدني والمنظمات المعنية بحقوق المرأة وذلك لترسيخ ثقافة احترام حقوق و حريات المرأة في المجتمع مع تطبيق القوانين على أرض الواقع.