شيرين أبو عاقلة … الشّهيدة القتيلة … توحّد هَامَة القبيلة …؟؟ بقلم : د . فوزية سعيد

شيرين ابو عاقلة
شيرين ابو عاقلة

شيرين أبو عاقلة ... الشّهيدة القتيلة ... توحّد هَامَة القبيلة ...؟؟ التّطبيع!!!

بقلم : د . فوزية سعيد – أكاديمية فلسطينية ، أستاذة بكلية العلوم الإنسانية و الإجتماعية بتونس

 

منذ مجزرة  مخيم جنين ــ سنة 2002 ــ ظل المكان صامدا ،مقاوما في عناد إلى الآن ،  فأضحى عصيّا  على بطش قوات الاحتلال الصهيوني العسكرية ، و في الأثناء ، تحمّلت المسؤولية التاريخية ،الثقيلة ، امرأة فلسطينية ، أمريكية الجنسية  ، مسيحية العقيدة الدينية  ، فنهضت بنقل الأحداث  من خلال استبسال الفلسطينيين في الدفاع عن الحرم القدسي، لمنع تلك المحاولات  المتكرّرة ، اليائسة من قِبَل رهْط  المتطرّفين العنصريين الصهايينة ، لاقتحام المكان المقدس الاسلامي ، بهدف تغيير معالمه تزامنا مع محاولات أخرى في  تجريف المنازل الأثرية التاريخية ، لاقتلاع سكانها الأصليين الفلسطينيين  على تنوّع دياناتهم  وأعراقهم ، ثمّ استبدالهم برهْطٍ  من اليهود المتطرّفين، المتقاطرين من شتّى  أنحاء العالم ، الحالمين  بتحقيق  العودة إلى الأرض الموعودة لشعب الله المختار فلسطين ،  حسب أساطيرهم في التوراة .

 تلك المرأة الأيقونة الفلسطينية المقاتلة ، الشّرسة بالكلمة و الصّورة، هي  الصحفية الماهرة  الشهيدة شيرين أبو عاقلة(1971 ــ 2022) هي ذات خبرة إعلامية  ، مَسَحت  ربع قرن من الزّمن متخصّصة في الإعلام الميداني  متمرّسة ،ملتزمة  الصّدح بالحقائق، بحياد و أمانة ، وموضوعية عبر قناة الجزيرة .

الشهيدة شيرين أبو عاقلة

 ارتقت شهيدة بمخيم جنين ، وهي مرتدية سترة الصحافة المميّزة ،  علامة على عدم استهداف الصحفيين أثناء الحروب ، ورغم ذلك تمّ الاستهداف عن سوء نيّة وترصّد ، استهداف الصّحفية جريمة حرب بشعة ، نكراء في حق الرأي ،وحرية التعبير، وهو إرهاب مفضوح ، يُطبق على حرية الصحافة ، هدفه قتْل الحقيقة وطمْسها ، وهو ما يدفع الجهات  الفلسطينية وغيرها من أحرار العالم، والمنظمات الحقوقية المبادرة  بنشر دعاوى قضائية لدى محكمة الجنايات الدولية  بهدف محاسبة الجناة الصهايينة ، الذين برعوا في التّفصّي من جرائمهم،  فأفلتوا من العقاب منذ  اغتصابهم العسكري فلسطين سنة 1948،  بمعاضدة القوى العظمى الاستعمارية .

وتمويها على الرأي العام العالمي الذي استنكر اغتيال الشهيدة ، وأدان وحشية الصهيونية ، روّج الجناة شائعاتٍ تفيد  أن الرصاص الذي أصاب الشهيدة ، هو رصاص فلسطيني طائش ، وأمّا التّحقيقات المزمع أجراؤها  صلب القوات العسكرية الصهيونية المتهمة بتنفيذ الاغتيال تحت الضّغط العالمي ، فلن تجدي نفعا  ،لأنّه من المُحال أن يُحاكِمَ المُجْرمُ المُجْرِمَ  ، وينْصِرَ للضّحية .

 وعن مسافة 190 مترا ، اخترق رأس الإعلامية رصاص عسكري  صهيوني، جبان  غادرــ يوم  الأ ربعاء  11ماي الجاري ، والفلسطينيون يُحيون الذكرى 74 للنكبة ــ سقطت الشهيدة على وجهها ، تسقي دماءها أرض فلسطين ،اعتقد الغادر أنه  أخْمد صوتها ،وحركتها إلى الأبد ،ومَحَى خيالها من الأرض ،  كي تصبح  عبرة لغيرها ، و بذلك يخشى من سيحلّ محلّها على مصيره،  إذا واصل نهجها الإعلامي  الأمين ، الصّادق في حفظ السّردية الفلسطينية ، وترسيخها في  ذاكرة الأجيال .

 وحّد دم الشّهيدة الصّفّ الفلسطيني بالداخل والخارج ــ رغم الخلافات السياسية  والقبلية والجهوية والدينية في ما بينهم ــ  فتحوّل الفلسطينيون إلى  بنيان مرصوص: يد واحدة ، رأس واحد مرفوع الهامَة ، يمشي  وفي يده نعشه ، هامة فلسطينية صُلبة ،موحّدة  أهْملت خلافاتها السياسية والدينية ، نبْراسها الدين لله، والوطن للجميع، حملت الهامَة  نعش الشهيدة على الأكتاف ، أثناء إخراجه من مشرحة المستشفى الفرنسي  الكائن بحي الشيخ جراح بجنين ، للسير به إلى المثوى الأخير ، فيوارى الثرى إلى جانب والديْ الشّهيدة  بمقبرة المسيح الكاتوليك بجبل صهيون بالقدس .

الجيش الصهيوني حاول إسقاط النعش تشفّيا من الشهيدة ، والتنكيل بها  خشية منها،ــ وهي في ذمة الله ــ بل اعتدى على تلك الهامة الموحّدة حاملة النعش تمشي ، وفي اليد  كفنٌ استعدادا للشهادة ، فداء للوطن وللحق ، وأثناء تمايل النّعش على تلك الهامَة الفلسطينية الموحّدة ، وفي غفلة من الكلّ ، كان القاتل الصهيوني  يمشي  بدم بارد بين المّشيّعين، وقد يكون أدّى واجب العزاء  أيضا ، و قد خاطب محمود درويش شاعر الأرض المحتلة ذلك القاتل الغادر في قصيدته   «حالة حصار» ،

إلى  قاتلٍ: لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّة

وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ
الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ
وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ

إلى قاتلٍ آخر: لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً،
إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ:
قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار،
فيكبر طفلاً معافى
ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدى بناتكَ
تارِيخَ آسيا القديمَ.
وقد يقعان معاً في شِباك الغرام.
وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ).
ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟
صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً،
والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟
فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ
وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟

قاتل الصحفية الشهيدة، هو قاتل حمام السّلام ،   فالصحفية حمامة سلام عالمي ، دخلت كل البيوت في حياتها ومماتها ، فلم  تحمل سلاحا قاتلا ،بل هي داعية سِلم وسلام ،  إذ هي من سلالة فلسطينية أصيلة  طيّبة الأعراق ، متنوّعة القبائل ، متعددة الديانات ،  وقد صقل مواهب الشّهيدة التربية العائلية السّليمة، وروافد ثقافية ثرية متنوّعة ، خشي القاتل اتّساع تأثيرها صوتا وصورة في الأجيال الجديدة الفلسطينية الثائرة بالقدس وغزة ، أسرع بطلقة الرّصاص القاتلة ، فدلّ اغتيالها على جُبْن القاتل الصّهيوني ، ولكنّ ذلك القتْل يبشّر بنصر قريب للفلسطينيين ، تجلّى في عيون أحرار العالم ، وهم يرفعون صور الشهيدة أيقونة سموّ الحقيقة ، وخلود الحرية في وجه الطغيان والاستبداد ، أين ما كان  ، والاستبداد بيت واهٍ كبيْت العنكبوت ، ومصيره العدم

اترك تعليقاً