شباب تونس يثور ثانية …لماذا ؟

سناء الغابري

بقلم : سناء غابري ، صحفية تونسية

مضت عشر سنوات على اندلاع الثورة التونسية التي انطلقت شرارتها من مدينة سيدي بوزيد ، بعد أن  أقدم الشاب طارق بن الطيب بن محمد البوعزيزي(1974 ــ 2011)  يوم 17 ديسمبر 2010  على حرق نفسه احتجاجاً على الظلم ومنعه من كسب رزقه ، وقد تُوفّي  المرحوم يوم الثلاثاء الموافق لــ 4 جانفي 2011 متأثّرا بحروقه في  مستشفى الحروق والإصابات البليغة ببن عروس.

وقد أدى ذلك إلى اندلاع شرارة المظاهرات في يوم 18 ديسمبر 2010 وخروج آلاف التونسيين  العاطلين عن العمل ، ويضاف إلى ذلك غياب العدالة الاجتماعية و استشراء الفساد في مفاصل الدولة ،  انطلقت شرارة الثورة من سيدي بوزيد ، تلقّفتها فورا جارتها ولاية القصرين التي قدّمت  عددا وافرا  من الشّهداء والجرحى مقارنة بغيرها من الولايات ، الاحتجاجات الشعبية أجبَرت الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (1936 ــ 2019)على إقالة عدد من الوزراء ، وبعض الوجوه المتصلّبة في الإعلام بالقصر الرئاسي ، وهو اجراء عقيم هدف من ورائه التّضحية بكلاب حراسته المدّللين ، ووعد الشعب التونسي بعدم ترشيح نفسه للانتخابات  المزمع اجراؤها سنة  2014 ، وقد أعلن عن تلك اللّمسات في خطاب تلفزي بدا فيه مضطربا ومتلكّأ في القول .

رغم ذلك توسّعت الاحتجاجات ، فأصابت ــ في مقتل  ــ مراكز البطش المتمثّلة في قوّات البوليس القمعية ، حينها  هُرّب  المخلوع  ــ بأمر خفيّ  من بعض الجهات الخارجية مذعورا ــ  مع بعض أفراد أسرته إلى  المملكة العربية السعودية يوم الجمعة 14 جانفي 2011، خشية تعرّضه إلى مصير أليم .

في تونس ، رأيان قائمان : الرّأي الأوّل يصرّ على أنّ تاريخ اندلاع الثورة، هو يوم 17 ديسمبر 2010 ، وهو تــاريخ إضرام  المرحوم  النار في جسده الشّاب الغــضّ ، وهو سند  واقعي وقانوني  و معلّلل : أنّ الثُورات تُؤرّخ ببداياتها ،  وأمّا الرّاي الثّاني : فيذهب إلى يوم  14 جانفي 2011،هو  تاريخ بلوغ الاحتجاجات ذروتها ، واكتساحها العاصمة تونس ، نتج عنه فراغ كرسي الرّئاسة ، وبذلك توقّفت الثّورة ، وهو سَنَد ضعيف  التّعليل  ومجانب للصّواب لأنّ الثّورات لا تُؤَرّخ بنهاياتها .

وعلى هذا  الأساس ، حدث في تونس ثورتان ، الأولى ثورة  يوم 17 ديسمبر2010،  لها  أبعاد اجتماعية واقتصادية وتنموية، و الثانية كانت سياسية ، يوم 14 جانفي 2011 ، إذ غنمت الفوز بالسّلطة أطراف لم تشارك أصلا في الثورة بل ركبتها ، والتفّت عليها ،  وقنصت ثمارها  بدعم خارجي ، وكأنّ الثّورة لم تحدث ، وذلك بسبب نشوء الثورة المضادة ، وتسرّبها في مفاصل الدولة .

تفشّت الأطماع  وتحقيق المكاسب الخاصة على حساب الأغلبية المسحوقة ، وخاصّة أنّ بعض نوّاب الشّعب المنتخبين ، انجرفوا إلى تيّار السّباب والشّتم المقذع  وتبادل تُهم التخوين ،  أفضى إلى عنف لفظي ومادي متبادل بين بعض النواب والنائبات ،  ويضاف إلى ذلك سقوط   حكومات تِسْع متتالية فاشلة ، لم تحقّق الوعود المطلوبة .

في تونس ، عشر سنوات  جَدْباء ،  خاب  خلالها ظنّ الأغلبية الصّامتة في هكذا نموذج برلماني سمسار عنيف ، وهكذا نموذج حكومي سياسي فاشل مُرتَهن لجهات خفيّة ،  ولكن  اليأس لم ينل من عزم الشباب التونسي   النّاهض ثائرا  في  ظلمات ليالي  منتصف شهر جانفي سنة 2021 وما تلاها  ، أثناء سريان حظر التّجوّل بالبلاد ، وتفشّي وباء كرونا بين التونسيين .

 استأنف  الشّباب  التونسي المغدور  في ثورته حراكه الاحتجاجي في عديد الولايات ، وخاصّة في الأحياء الهامشيّة المُفقَّرة  طالبا رحيل الجميع ، هاتفا بتحقيق أهداف الثّورة المجْهَضَة ــ حرّية … كرامة وطنية …التّشغيل استحقاق يا عصابة السّرّاق … ها قد عـُـدنا … ــ  تصادم  المحتجّون اللّيليون مع قوات الأمن ، فتحت السّجون أشداقها لابتلاع  بعض المنحرفين الذين علقت بهم تُهم الّتعدّي على الممتلكات الخاصّة والعامّة .  

بعض الجهات  الحكومية التونسية  لمّحت إلى أطراف غريبة خفيّة ، كانت وراء تأجيج بداية  فتيل ثورة ثانية بتونس  ، ولم تقدّم  تلك الجهات حلولا عَمليّة تمتصّ بها غليان الغضب العام  ، والحال أنّ نسبة الفقر والأمّية  في تونس  في تصاعد ، ينذران بكارثة انسانية ، تجلّت ملامحهما في هجرات  الشّباب التّونسي السّرّية بواسطة قوارب الموت في عرض البحر الأبيض المتوسط  ، طالبين الّلجوء الانساني السياسي في بلدان  الغرب الواقعة  على حوافّ الضفّة الشمالية  للمتوسّط  .

فسّر المحلّلون  ظاهرة هجرة  الشباب التونسي السّرية إلى تلك الضّفّة الغربية بأنّها مُمَنْهَجَة خطّط لها آخرون غرباء ، ونفّذها تونسيون محلّيون  ، هدفها  تجفيف   تونس من طاقة شابّة خلاقة ، فيكون مصيرها الغرق في البحر ، أو الإدمان على المخدّرات ، أو استقطابها ضمن صفوف حربية قتالية متشدّدة ، قد تلحق الأذى بالوطن الأمّ تونس ، أو بغيرها  من الأوطان في أرجاء العالم ، وهو ما ينعكس سلبيا على صورة التونسي ، وسمعة وطنه  .

 لا يمكن لأيّ جهة تونسية مسؤولة  ــ منذ سنة 2011 ــ التّنصّل من خداعها للشّباب الثّائر ، من خلال وعودها بفتح آفاق العمل أمامه ، لكن دون جدوى  ، وهي وعود كاذبة تمكّن من خلالها البعض من اعتلاء كرسي السلطة ، ــ  اليوم ــ  نار الشباب التونسي جمر  يلتهب تحت الرّماد ، يمكن أن يُشِعل كلّ  من تلاعب  بالجهود الثورية العفوية الفاعلة الرّئيسية  في اقتلاع الطّاغية سنة 2011  .

لا يمكن  ــ اليوم ــ اللّجوء إلى الحلول الأمنية في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ، وهي حلول أثبتت عقمها وفشلها الذّريع  في تونس خلال نظام الرئيس الحبيب بورقيبة (1903 ــ 2000) ونظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، والحال أنّ حاجز الخوف قد  محته شجاعة الشّباب  سنة 2011 ، ـــ  تحت شعار، لا خوف بعد اليوم  … الشعب يريد اسقاط النّظام  … ـــ ، ويُضاف إلى ذلك  صدور ترسانة من القوانين تحجّر على قوّات الأمن التونسي  الإفراط في استعمال القوّة ، هذه  عوامل تساعد الشّباب  على  نهج  طريق  ثوري جديد ،  قد يفاجأ المتربّعين على كرسيّ السّلطة الهزّاز، فتهوي بهم ثورة ثانية  إلى غير قرار …  !!!

اترك تعليقاً