شباب تونس …فريسة الهجرة السّرّية …الى متى …؟

سناء الغابري

بقلم : سناء غابري ، صحفية تونسية

 بسبب الهجرة غير الشرعية في تونس ، فَقَدَتْ العديد من العائلات أبناءها وبناتها غرقا في جوف البحر ، و في صورة نجاة  بعضهم من الغرق ، والوصول للدول للدّول الغربية  المتجهين اليها ، فذلك نوع آخر من الموت البطيء ، لأنّ ذلك البعض  سيجد نفسه   تائها دون هوية ومصير ، وقد يعود إلى عائلته ميّتا ، وقد لا يعود ، فإذا هو في عداد المفقودين ….

التونسيون ــ اليوم ــ هم في المرتبة الثانية بسبب وصول أكثر من 15 ألف مهاجرا الى إيطاليا ــ منذ بداية العام 2021ــ ، وذلك حسب المذكرة  الصادرة عن وزارة الداخلية الإيطالية ، التي قالت إنه : في الفترة نفسها من العام الماضي كان قد وصل 5473 مهاجراً، بينما في عام 2019 كانوا 2025 شخصاً فقط.

وقالت المذكرة أنه “تمّ تسجيل وصول 58 شخصًا إلى سواحلنا، مما رفع العدد الإجمالي للوافدين عن طريق البحر إلى بلدنا منذ بداية الشهر الجاري إلى 373 شخصاً”، موضحة أنه “في العام الماضي، كان هناك 1831 وافداً في شهر جوان بأكمله، بينما في عام 2019 وصل إلينا 1218 مهاجراً”.

وأشار بيان الداخلية إلى أن “من بين أكثر من 15 ألف مهاجر وصلوا إلى إيطاليا عام 2021، هناك 2608 من الجنسية البنغالية (17٪)، بناءً على ما أعلن عنه المهاجرون وقت وصولهم، بينما يأتي التونسيون في المرتبة الثانية مع وصول 2113 شخصاً وبنسبة 14٪.

وفي نفس السياق ،  فقد عُقد لقاء سابق بين الرئيس التونسي قيس سعيد ، ووزيرة الداخلية الإيطالية لمناقشة هذه الأزمة التي تزداد سنة تلو الأخرى ، حيث قال الرئيس التونسي في مناسبات سابقة في بيان رسمي أنه ” يجب أن تتكاتف جهود المجموعة الدولية ، من أجل البحث عن مقاربة جديدة لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية، معتبرا أن الحلول الأمنية “ليست كفيلة بمعالجتها”.

واعتبر قيس سعيد:” أن قضية الهجرة غير الشرعية هي مسألة إنسانية بالأساس ،لذلك لا بد من معالجة أسبابها”.

الى جانب ذلك فقد سعت الدولة التونسية الى الحدّ من هذه الظاهرة ، بعد الضغط من السّلط الإيطالية ،وذلك بتوفير وحدات بحرية وأجهزة مراقبة ،وفرق بحث على طول سواحلها في البحر المتوسط، لرصد نقاط الهجرة غير الشرعية ،والتدخل الفعال لضبط المهاجرين، فقد أوقفت بالفعل العديد من قوارب المهاجرين التي كانت متجهة إلى السواحل الإيطالية ، لكن ذلك غير كاف ، ولم تتمكن الدولة التونسية من السيطرة على الوضع ، فقد أصبحت الهجرة غير الشرعية لا تقتصر فقط على التونسيين لتشمل جنسيات أخرى ، خاصة منها الافارقة الذين اعتبروا تونس منفذا لهم للهجرة ، وهو ما زاد الأمر تأزّما.

لكن هذه الأزمة لم تتوقف ،بل هي متواصلة ليعتمد المهاجرين أساليب جديدة املا منهم أن يحققوا حلمهم في الهجرة ، فإضافة الى قوارب الهجرة عبر البحر أصبح العديد من الشباب يحاولون الهجرة عبر الميناء بالمآت ،ليدخلوا خلسة في حاويات البضائع المتجهة للدول الأوروبية، لتصبح ظاهرة يومية ، ومنهم من ينجح في الركوب خلسة في الحاوية ، لكنه يصل ميتا وذلك بسبب درجات البرودة المنخفضة للحفاظ على البضاعة ، وانعدام الاكسجين…ومنهم من يمسكه الأمنيون  ليطلقوا سراحه بعد أيام ، وذلك لانعدام القانون الذي ينظم هذه الجريمة ، وهو ما يفسّر عودة هؤلاء الشباب لنفس الكرّة.

و بسبب تفشي تلك الظاهرة تمّ إجراء حملات أمنية ،ونصب كمائن مختلفة بمحيط الميناء، وغرس أجهزة مراقبة متطورة  للمراقبة ، لكن ذلك لم يجد نفعا.

فهؤلاء الشباب لا يأبهون لأي خطر، وهم يعرفون انهم يمكن أن يموتوا، لكنهم يعيدون الكرّة كل يوم بنفس الطريقة :، فمنهم من يقول: “أنا ميّت هنا في بلادي أم هناك “، فكل مهاجر بصفة سرية له أسبابه :فمنهم من يعاني الفقر والخصاصة ،ولم يتسنّ له أن يجد مورد رزق ،فيلجأ الى الهجرة ، ومنهم من يرى ان العيش في تونس لن يحقق له ما يتمناه ،فيسعى الى الهجرة  ظنّا منه أنها الحل الأمثل.

اليوم المجتمع التونسي كله يتذمّر، وغير راض عن الحالة التي آلت اليها البلاد من صراعات سياسية ،وحزبية بين المسؤولين ، وفي المقابل تراجع مستوى العيش بتونس ، مع انتشار البطالة وغلاء المعيشة وانسداد الآفاق ، وعدم تحقيق أهداف الثورة الاقتصادية والاجتماعية ، فنسبة كبيرة من المهاجرين السريين ينحدرون من الجهات المحرومة ، والأحياء الشعبية الفقيرة ، والمؤسف في الأمر انه يوجد بينهم العديد من الحاصلين على الشهائد العليا ، وهو ما يمثل  عيوبا معمّرة لذمّة الدولة التونسية حين تترك كفاءاتها ، ترمي بنفسها الى التهلكة عوض  احتضانها و توفير مواطن شغل لها .

 فالهجرة غير النظامية لم تعد تحتكم الى متغيرات كلاسيكية أو عرضية ، بل هي مرتبطة في جانب كبير منها بمتغيرات اقتصادية ، وسياسة واجتماعية ، ساهمت في تشكيل شباب محبط من واقعه المعيشي الاجتماعي. فإلى متى ستتواصل هذه المأساة؟ ومتى ستنقذ  الدولة بمختلف مؤسساتها وهياكلها هذه الفئة  الشّابّة ، وتمكّنها من تحقيق أحلامها للعيش بكرامة في الوطن الأمّ تونس ؟

اترك تعليقاً