د. إبراهيم جدلة ، أستاذ التاريخ بكلية الآداب والفنون والانسانيات ، منوبة ــ تونس
كل دساتير العالم وكل التشريعات الخاصة بحقوق الانسان، تؤكّد بلا هوادة على حق الإنسان في الحياة، أيّ إنسان كان، مهما كان لونه أو معتقده او أصله. ولا يحق لأيّ كان حرمانه من هذا الحق. لكن للأسف الشديد، في تونس اليوم، يتجرّأ المجرمون المنتصبون في بعض الجبال وفي بعض المدن القريبة منها على حرمان أطفال في عمر الزهور من هذا الحق: حق الحياة، وحقّهم في التمتع بطفولتهم وبإنسانيتهم، حقهم في الحلم ، حقهم في الطموح، حقهم في النجاح…
وليست هذه المرّة الأولى التي ينفّذون فيها حكم عقدهم وفشلهم وقذارتهم بإعدام أبناء تونس البررة من رعاة، ومناضلين سياسيين، وجنود أشاوس، ورجال أمن يسهرون على حماية حدودنا وأمننا…..وقد ارتفعت وتيرة الجرائم التي استهدفت المجتمع التونسي في المدة الأخيرة ( مقتل اربعة جنود، في 03 فيفري، ثم إصابة فتاة في 15 فيفري، وأخيرا مقتل الطفليْن وجرح أم أحدهما في منطقة جبل السلّوم، بتاريخ 11 مارس، رحمهم الله جميعا ). أمام غياب الردع وردة الفعل ينتابنا شعور بأننا بصدد التطبيع مع هذه الجرائم الإرهابيّة، نعم يبدو أننا قبلنا بالأمر الواقع، ولا أدلّ على ذلك من غياب أيّ مسؤول، أو أي طرف سياسي عن جنازة الطفليْن الشهيديْن، رحمهما الله. وغياب أيّة ردّة فعل رسميّة، أو مجتمعيّة. نعم لقد اشترك الجميع دون استثناء في خذلان تونس الأعماق، تونس المناضلة تونس السباسب التي أوصلت بني شحيبر إلى السلطة. لقد خذلنا أبناء السباسب الأشاوس وتركناهم فريسة لأحقاد الحاقدين، وبلاهة الظلاميين. والغريب في الأمر أنّه إلى جانب هذا الخذلان، نجد بعض الشرائح والعصابات التي تكنّ حقدا دفينا لكل من يرفض وضع الاستكانة هذا، ونجد من يسانده من محامين فاشلين، وممن قذفت بهم المقادير في دفّة السياسة العرجاء التي سمحت لهم ببثّ سمومهم، ونشر خطاب الكراهيّة، والتكفير دون رادع أخلاقي ولا قانوني.
الحق في الحياة، يضمنه دستور البلاد، لكلّ تونسي يعيش على هذه الرقعة، لكن هذا الحق الدستوري مثل العديد من النصوص الأخرى، يبقى مجرّد حبر على الورق. نعم بقي الدستور ( أفضل دستور في العالم ) ومواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مجرّد ورقات صفراء لا تغني من جوع. لم نر يوما حكومتنا وقضاتنا يعاقبون أصحاب خطابات الكراهيّة والحقد الذين لا يروْن مانعا في حرمان الآخرين من حقهم في الحياة الكريمة، أو حقهم في الاختلاف…
الحق في الحياة، ليس الحماية الأمنية والقانونية فقط، بل ايضا توفير الحدود الدنيا للعيش الكريم لسكّان المناطق المهدّدة مباشرة من طرف المجرمين، أو بواسطة الألغام التي زرعوها ضدّ، شعب لا يريد سوى توفير لقمة العيش، بكرامة، دون ارتزاق للبترودولار كما يفعل هؤلاء الجرذان المتمترسين في جحورهم في الجبال لسنوات. ولسائل ان يسأل كيف يمكن لهؤلاء العيش لعدة سنوات، أو حتى لعدة أشهر، دون ماء، دون غذاء، دون هواتف مشحونة بالكهرباء وبالشرائح. من البلاهة أن نصدّق كل هذا. من البلاهة أن نعتقد أن هؤلاء يتلقّون عونا من السماء. الكل يعرف أن أموالهم القادمة من الخليج كثيرة، والكل يعرف انهم لا يفتقرون إلى حاضنة قريبة، فعلاقاتهم لا تنقطع يوميّا عن محيطهم الأقرب، بل ربما يتناولون طعاما سخنا ودسما في السهل ثم يصعدون إلى الجبل لإزالة الكوليسترول أو للإعداد لجريمة جديدة متجددة ضحاياها أبناء الشعب التونسي العزّل الذين يبحثون عن لقمة العيش الصعبة، آملين أن لا يكون ” الحق في الحياة ” مجرّد شعار، للاستهلاك المحلّي وللدعاية الخارجيّة……
من الناحية الأمنيّة والعسكريّة، ليس من الصعب ولا المستحيل تعقّب المجرمين الذين يحتلّون جزء من وطننا، ويحرمون جزء من شعبنا من العيش على أراضيهم، فالتكنولوجيا الحديثة، والطائرات المسيّرة، يمكن أن تساعدنا في ذلك. كما انّ محاصرة مناطق العمران القريبة والتي توفّر للمجرمين المتحصّنين بالجبال المؤونة والماء والدخان والملح وشرائح الهاتف، ليست بالأمر المستحيل ولا الصعب. فيكفي تكثيف أعداد الجنود والأمنيين حول هذه المناطق لمدة ثلاثة اشهر فقط لكي نفرض على الجرذان النزول من مخابئهم. والسؤال المطروح دائما هو مدى جدّية محاربة هؤلاء. مدى أخذ زمام المبادرة وتعقبهم حتى الوصول إلى جحورهم النجسة.
لم يخطر يوما ببال أبناء السباسب بأنهم قاموا بانتفاضتهم لكي يعيشوا جحيم الإرهاب، اليوم وقد قُضيَ الأمر، أصبح مطلبهم الوحيد من الدولة والحكومة والمجتمع ومن كل من اختلس انتفاضتهم، بأن يضمنوا لهم شيئا واحدا، ألا وهو : ” الحق في الحياة “.