يفصل الأميركيين بضعة أسابيع عن إجراء الانتخابات الرئاسية وسط مشهد لا سابق له من التعقيدات والتجاذبات والشد والجذب بين الديمقراطيين والجمهوريين وعلاقات متوترة مع الحلفاء التقليديين وسياسة متشددة حيال خصوم الولايات المتحدة اتسمت بحزم من العقوبات كان أشدها على إيران.
لكن بعد أربع سنوات من حكم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب وسياسة الضغوط القصوى خاصة على الجمهورية الإسلامية، تبرز استفهامات كثيرة حول ما جنته واشنطن من هذه السياسية وما إذا كانت حققت الأهداف المعلنة؟.
واتّبع ترامب أكثر من أي رئيس أميركي سابق خلال أربع سنوات سياسة تقضي بفرض عقوبات شديدة على خصوم بلاده، لكن نهج “الضغوط القصوى” هذا الذي طبقه في جميع أنحاء العالم لم يعط النتائج المرجوة.
وأوضح ريتشارد غولدبرغ من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمؤيد لهذا الخط الصارم “من الواضح أن العقوبات كانت الأداة المفضلة لإدارة ترامب في التعامل مع الأنظمة المارقة”.
وتابع “كانت الإدارات السابقة تستخدم العقوبات، لكن على نطاق أضيق أو ضد أهداف محددة” بدون السعي لإحداث “بلبلة في الاقتصاد الكلي تزعزع حكومات وترغمها على تبديل مواقفها”.
أما الإدارة الأميركية الحالية فتستمر في نهجها حتى النهاية وتعلن بشكل شبه يومي قبل 25 يوما فقط من الانتخابات الرئاسية عن تدابير عقابية بحق كوبا وسوريا وبيلاروس وإيران.
وأحيانا تسدد ضربة كبرى، كما حصل الخميس حين فرضت الخزانة عقوبات على 18 مصرفا إيرانيا رئيسيا.
وبذلك تكون واشنطن أحكمت قبضتها على جميع القطاعات تقريبا في إيران منذ انسحاب ترامب في خطوة أحادية عام 2018 من الاتفاق حول النووي الإيراني.
وعرض وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مبدأ “حملة الضغوط القصوى” هذا في مايو/ايار 2018، معددا 12 شرطا من أجل التوصل إلى “اتفاق جديد” مع طهران.
والهدف المعلن لهذه السياسة إرضاخ السلطات الإيرانية من خلال خنق اقتصاد البلاد، لإرغامها على “تغيير سلوكها” ولو أن إدارة ترامب لطالما نفت أن تكون تسعى لتغيير النظام، من غير أن يكون تأكيدها هذا مقنعا بالضرورة.
ولم تتحقق أي من شروط مايك بومبيو اليوم، لا بل استأنفت الجمهورية الإسلامية ردا على العقوبات بعض الأنشطة النووية التي تقربها من صنع قنبلة ذرية.
وقال توماس رايت من معهد بروكينغز “ستقول الحكومة أضعفنا إيران وهذا صحيح، لكن لم يحصل تغيير حقيقي في السلوك الإيراني”.
ورأى ريتشارد غولدبرغ أن “نجاح سياسة العقوبات يتوقف على الأهداف المحددة”، مضيفا “في إيران، يملك النظام موارد أدنى بكثير للإنفاق على أنشطته الضارّة وهذا بحد ذاته انتصار للأمن القومي الأميركي”، معتبرا أن “النظام سيضطر عام 2021 إلى التفاوض مع الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية أيا كان”.
غير أن باربرا سلافين من المجلس الأطلسي ترى في العقوبات الأخيرة “ساديّة تحت غطاء السياسة الخارجية” إذ أنها “لا تُرضخ الحكومة الإيرانية بل تضعف المواطنين العاديين”.
وفي فنزويلا، كان الهدف الأميركي واضحا وهو طرد الرئيس نيكولاس مادورو من السلطة باعتبار عهده غير شرعي، لكن الرئيس الاشتراكي ما زال في سدة الرئاسة. وقال توماس رايت إن “ترامب صرف اهتمامه عن الملف حين رأى أن مادورو لن يرحل”.
أما في كوريا الشمالية، فالنتيجة أكثر تعقيدا، فبعد سلسلة من التجارب النووية وعمليات إطلاق صواريخ عابرة للقارات، توصلت واشنطن عام 2017 إلى الحصول على تأييد الأسرة الدولية في الأمم المتحدة لفرض عقوبات شديدة على هذا البلد.
وساهم هذا الموقف الدولي مدعوما بالتهديد العسكري في حمل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى الجلوس على طاولة المفاوضات خلال ثلاثة لقاءات تاريخية مع دونالد ترامب.
ولفت توماس رايت إلى أن “ترامب تخلى عن الكثير في نهاية المطاف” في “ما يشبه اتفاقا بحكم الأمر الواقع يجمد عمليات إطلاق الصواريخ العابرة للقارات والتجارب النووية لقاء علاقات أكثر هدوءا”.
لكن “نزع السلاح النووي الكامل والنهائي والقابل للتحقق منه في كوريا الشمالية” لم يتم في حين أن واشنطن لطالما تمسكت به باعتباره النتيجة الوحيدة المقبولة، لا بل واصلت بيونغيانغ نشاطاتها النووية.
إلا أن الموقف مختلف مع إيران إذ أظهر الأميركيون مدى قوتهم الضاربة فلم يكتفوا باستهداف المؤسسات والقادة والشركات الإيرانية، بل أرفقوا تدابيرهم بعقوبات “ثانوية” تطال أي بلد أو شركة تواصل التعامل مع طهران.
وكانت النتيجة جذرية، فبعدما حاولت الدول الأوروبية بكل الوسائل الحفاظ على علاقاتها التجارية مع إيران سعيا لإنقاذ الاتفاق النووي، تراجعت أمام الثمن الباهظ المترتب على ذلك، الذي كان يهدد بمنع شركاتها من الدخول إلى السوق والقطاع المالي الأميركيين.
وقال ريتشارد غولدبرغ “العبرة الرئيسية من السنوات الأربع الأخيرة هي كل ما يمكن للولايات المتحدة القيام به بمفردها بدون دعم حلفائها التقليديين”، مضيفا “هذا يبدل الوضع”.
لكن هل يبقى استخدام العقوبات على هذا النحو نهجا متبعا في الدبلوماسية الأميركية؟
توماس رايت يرى أن “ثمة إجماع متزايد داخل الطبقة السياسية على وجوب الانخراط في إستراتيجية أوسع نطاقا، عوضا عن انتهاج إستراتيجية بنفسها” كما حصل أحيانا خلال السنوات الأخيرة.