بمناسبة اليوم العالمي للترجمة، احتضنت مكتبة الأسد الندوة الوطنية السنوية للترجمة التي تقيمها الهيئة العامة السورية للكتاب بالتعاون مع جامعة دمشق والمعهد العالي للترجمة ومجمع اللغة العربية واتحاد الكتّاب العرب واتحاد الناشرين السوريين ومركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد) بعنوان “ترجمة المصطلح إلى اللغة العربية”، عالجت من خلالها قضايا نظرية وتطبيقية وثقافية أدّت إلى تعدّد المصطلح في لغتنا، وهذا غير جائز بحكم المعايير التي تحدّد مصطلحاً واحداً لمفهوم واحد، وتقدم توصيات تسهم في توحيد المصطلح في لغتنا.
تقليد جميل
وأشارت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح إلى أن ندوة الترجمة اليوم أصبحت تقليداً جميلاً دأبنا فيه على محاولة إيجاد إجابات مفيدة عن أسئلة لا تزال تبحث عن إجابات شافية: لمن نترجم؟ ماذا نترجم؟ كيف نترجم؟. وفي عنوان ندوتنا اليوم جواب شافٍ عن السؤالين الأول والثاني، فالمصطلح مادتنا، والدارسون والباحثون في شتى حقول العلم والمعرفة مقصدنا، بقي السؤال الثالث: كيف نترجم المصطلح العلمي إلى لغتنا العربية؟ هذا ما نأمل أن نسمع إجابات مفيدة شافية عنه، وعسى أن تكون عوناً للمترجمين في توخي دقة نقل المصطلحات العلمية من اللغات الأجنبية، وفي الحفاظ على اللغة العربية وصونها من العجمة والتشويه الذي أخذ يزحف إليها في كثير من النصوص العلمية.
القوة الناعمة
وقدّمت د. نورا أريسيان كلمة المترجمين السوريين قالت فيها: نحن المترجمين يمكننا أن نلعب دوراً إيجابياً باعتمادنا المعيار الأخلاقي، هو قوتنا الناعمة وإذا اتحدنا فيمكننا أن نصبح قوة تستطيع أن تفرض معاييرها الأخلاقية، وترسّخ قيم الخير والجمال والسلام والعدالة في العالم، ونحن المترجمين السوريين نتطلع إلى تضامنكم معنا في مواجهة العدوان الإرهابي الدولي على بلدنا، ورفع عقوبات قانون قيصر وغيرها. إن العقوبات المفروضة على بلدنا ظلماً وعدواناً أثرت سلباً في صناعة الترجمة، ولاسيما الترجمة الفورية والترجمة للسوق العربية والدولية، هذا اليوم مناسبة، تظهر عمق تأثيرها المباشر في حياة الناس اليومية، بدءاً من الهواتف الذكية والاتصالات وصولاً للطب وغيره من العلوم.
مشروع الترجمة
وأكد د. ثائر زين الدين، مدير الهيئة العامة السورية للكتاب، أن أهل الاختصاص وضعوا خططاً سنوية تنفيذية لمشروع الترجمة، منها أنه ينبغي ألا تظلّ الترجمة نشاطاً فردياً عشوائياً، والترجمة عن مختلف لغات العالم وعن اللغة الأصلية وليس الوسيطة، والانحياز إلى كل ما يؤسّس لأفكار التقدم والإنسانية والاعتراف بالآخر، وعدم الاكتفاء بترجمة الأدب والإنسانيات بل ترجمة مختلف المعارف المهمّة، ومتابعة ترجمة الأصول المعرفية والكتب المؤسسة التي بدأتها وزارة الثقافة، ورفد النشر الورقي بالنشر الإلكتروني لإيصال المعرفة إلى أوسع قاعدة، ورفع تعرفة الترجمة التي يتقاضاها المترجم.
مبادئ أساسية
وتحت عنوان “المصطلح العلمي.. مبادئ أساسية” قدّمت مشوح في الجلسة الأولى -التي أدارها د. زين الدين- ورقة عمل جاء فيها: إن الجهود البحثية والترجمية المواكبة والداعمة لعملية النقل جهود مبعثرة يعوزها التنسيق وتشوبها علّة السرعة وتنقصها المنهجية، لذلك كان لابد من وضع ضوابط وآليات توخياً للدقة في إيجاد المقابلات الاصطلاحية العربية والأكثر تعبيراً عن المفهوم المراد، مع الحفاظ في آن معاً على جوهر العربية وأوزانها وخصائصها، وقد أقرّت مجامع اللغة العربية منهجية محدّدة ومبادئ أساسية واجبة المراعاة عند نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية، ورتّبت طرق وضع المقابِلات العربية للمصطلحات الأجنبية بحسب الأولوية والأفضلية وفق تسلسل: إحياء الفصيح، التوليد بالاشتقاق أو المجاز أو النحت، ثم ترجمة المصطلحات بمعانيها، وأخيراً التعريب، وأضافت: في إحياء الفصيح يرجع المترجم إلى التراث العلمي العربي، فيستنبط منه ما فيه من مفردات يمكن أن تصلح لأن تكون مصطلحات علمية، وهذا ما يُسمّى بمنهج “إحياء التراث”، واتباع هذا النهج يقتضي من المترجم بحثاً مضنياً في بطون الكتب العلمية التراثية، أما التوليد فيلجأ إليه المترجم في وضع المصطلح بما فيه من مجاز واشتقاق ونحت، والاشتقاق هو أحد أكثر الوسائل التي يلجأ إليها في ترجمة مصطلحات تحمل مفاهيم جديدة. أما المجاز فمن خلاله يتمّ تطوير المعنى اللغوي للفظ ما أو تحويره بالانزياح، والنمط الثالث هو النحت المعروف بأنه بناء كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر بحيث تكون الكلمتان متباينتين في المعنى والصورة وآخذة منهما جميعاً في اللفظ ودالة في المعنى.
الأدب المقارن
وتحت عنوان “مصطلح الأدب المقارن بين نشأته الفرنسية وترجمته العربية” أشار د. راتب سكر إلى أن الأدب المقارن في اللغة العربية ظهر في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، وترافق ظهوره ومسيرته عربياً مع ما رافق ظهوره ومسيرته فرنسياً من نقد ومعارضة، ولم يقتصر نقد الباحثين لمسيرة الأدب المقارن على التشكيك بالدقة العلمية للمصطلح بل تجاوز إلى اتهامها بافتقاد الفهم المناسب لغاياته المعرفية، حملت معظم مواقف الدارسين العرب لقضايا الأدب المقارن ومصطلحه مؤثرات فرنسية صريحة واضحة غير خفية.
إغناء اللغة العربية
وفي عصرنا الراهن دخلت الكثير من المصطلحات المحدثة الاستخدام العلمي، ما أدى إلى خوف عدد من المهتمين على اللغة إلى معارضة استخدام هذه المصطلحات وابتداع ألفاظ ناشرة غريبة. هذا ما نوّه به الباحث شاهر نصر في محور “أهمية إغناء اللغة العربية بالمصطلحات ودور مؤسسات اللغة والترجمة في توحيدها”.
ولكي تؤتي الترجمة ثمارها، وفي سبيل إغناء اللغة العربية، قدّم نصر عدداً من المقترحات منها: تكامل عملية الترجمة مع عملية البحث العلمي والفكري والأدبي، وبناء الدولة على أسس علمانية متحضرة تنسجم مع متطلبات العصر لأن بنية الدولة هي الآلية والرافعة لكل تطوّر وتقدم في المجتمع والثقافة وتحقيق التنمية في مختلف المجالات، وترجمة نظريات المعرفة والعلوم الدقيقة والفلسفة ومناهج التفكير السليمة التي تخلق قفزة معرفية في الفكر العربي، وتعميم عملية الترجمة المؤسساتية الجماعية وإيجاد مؤسسات للترجمة، وتعزيز مبادئ التعاون والتآلف والتكامل في تفكيرنا وعملنا وآلية البحث في تطوير اللغة والمصطلح عن طريق التعاون البنّاء بين علماء اللغة والفنيين وعلماء البحوث العلمية والفكرية، وإقامة الندوات المشتركة لتبادل الخبرات على الصعيد العربي من خلال هيئات مرجعية مختصة.
مرونة النقد
كانت أغلب الدراسات النقدية تفتقد المرونة، وكأن النقاد في تطبيقهم للمناهج الأوربية يطبقون مبادئ منطقية محدّدة ومصطلحات جاهزة، والمسألة تتعلق أولاً بقضية المنهج. وعن أهم إشكالية يتعرّض لها النقد العربي المعاصر تحدثت د. زبيدة القاضي عن إشكالية ترجمة المصطلح النقدي فقالت: إن أهم إشكالية يتعرّض لها النقد هي البحث عن منهج نقدي قادر على قراءة النص بطريقة مبدعة، وأكد النقاد العرب على جدلية العلاقة بين المنهج والمصطلح، إذ يحدّد المنهج المصطلح ويؤطره، ويؤكد المصطلح المنهج ويوضحه، فإذا لم يكن المصطلح واضحاً يتأثر المنهج بالتأكيد ويسبّب مشكلات في الاستيعاب وصعوبة في تلقي المادة لدى القارئ.
وختمت د. القاضي بعدة توصيات منها: تكثيف البحوث الجامعية ورسائل الماجستير والدكتوراه حول إشكالية المصطلح وترجمته، وضرورة إجراء الدراسات حول المصطلح وتوحيده بين المشرق والمغرب، وإصدار معجم موحّد للمصطلحات النقدية يكون مرجعاً للدراسات الجامعية وفي الأوساط الأدبية.
دمشق – سوريا ، جُمان بركات – عُلا أحمد