رثاء الأم المناضلة زنيخة بنت محمد بن الحاج صالح العرفاوي

أرملة أحمد بن صالح بن غنّام الهمّــامي أصيلة منطقة الدّخيلة – طبربة  ــــــــــ تونس

توطئة : أماه لأجلك كانت تشرق الشمس وغابت للأبد منذ أن ارتجفت صبيحة يوم 17 جانفي 2010 في مستشفى شارل نيكول بتونس العاصمة حين بادرني الطبيب قائلا “البركة فيك، لقد توفيت أمّك فجرا” فانطفأت شعلة حياتي التي كنت أستنير بها دروبي المظلمة. سنوات مرّت كالدّهر يا أمي، كئيبةً وثقيلة، حزينةً ومريرة. فمنذ أن فاضت روحك الطاهرة لبارئها وأنا ألملم جراحي في هذه الدّنيا الفانية وأستنير من ذكراك مصباح حياتي الضئيل وألتمس من حولي لمساتك الرقيقة وأصبحتُ يا أمي أحسدُ وأغبطُ كلَ من له أم تحضنه وتدعو له، وتمسح عنه ما علق به من هموم الدّنيا وكدر الحياة بيديها الطاهرتين، وتشرفه بفسحة من مكان تحت موطئ قدميها الزكيّتين. فهو حتماً أسعدُ مني، وهو حتماً أهنأُ مني، ويحصدُ الثواب أكثر مني.

نعم يا أمي أحسده وأغبطه  وألوم نفسي عن كل لحظة أشغلت نفسي فيها عنك وأفنيتها دون تقبيل محياك، فكم أنا حزين على نفسي بعدك يا أمي وكم أنا مشتاق إليك يا أمي وكم تراني سأعيش لأنسى ما وهبك الرحمن عطفا عليَ وحنانا وسكنا كنت أجده حتى في ناظريك وهل تراني سأنسى شقاوتي وأنا بالمهد طفلا كنت قد مارستها عليك، سامحيني أمّي حين كنت انثر في التراب السكر والشاي من أمامك حين كنت صبيا أرتع وألعب. هل تراني سأنسى تلك النظرة الوادعة المستبشرة والموت خطفك منّي.

أهدي إليك هذه الكلمات لعلها تخفّف من لوعتي وتسلّي صدري الكئيب بفوح الذكريات الغابرة  :

أمّاه لأجلك كانت تشرق الشمس

وكان الضياء ينير

وكان الرّبيع يفيض بسحر الحياة ولون الزّهر

وكانت الفراشات ترفرف

بين الحقول وحول الشّعاب وفوق الشجر

وأنت تنظرين إلى الأفق البعيد

بكل سرور وعمق أمل

وتنشد العصافير لحن الحياة

وتغرّد فوق كروم العنب

وأنت تنظرين إلى الأفق البعيد

أمّاه بماذا تحلمين ?

أمّاه بماذا تفكّرين ?

هل رأيت أحلام الحياة تختفي خلف النجوم ?

أم خفت من إنقضاء الرّبيع يليه صيف قصير العمر

ليأتي الخريف المخيف

ليبعث في الأفق ظلام الغيوم وقصف الرّياح ووقع المطر

أمّاه لقد تلاشى الرّبيع ربيع الحياة الاخير

وغابت الشمس شمس النهار الأخير

أمّاه من بعدك يكسوني إذا اعتريت

ويشلني إذا عثرت

ويضمّني إذا بكيت

رحلتي وتركتني أصارع الأمواج

وألعن المياه والقدر

وأنثر البكاء حين يأفل القمر

أمّاه أنا إبنك الذي لن ينساك مهما سكت عنك الزّمن

وتنكّر من كان بالأمس أخا

ونسي من كان يهرع إلى منزلك

ليأمن من غدر الزّمن

فلن أترك ذكراك تدفن في التراب

ولن تشغلني الحياة فأنسى أيامك الجميلة

التي عشناها في ربوع الدّخيلة

فمازالت خطاك منحوتة على الصّخر

ومازال صوتك يتردّد بين الفجاج وفوق الجبال وتحت الشجر

ومازالت زهور النرجس تذكرك حول المروج

ومازال طيفك يلوح بين الفجاج

وحول سريرك الحزين

الإبن محمّد الهمّامي بن أحمد الهمامي (بن زنيخة)

مقتطفات من مذكراتي “تحدّي سنوات الجمر”

اترك تعليقاً