بقلم : جعفر ماجد ، شاعر وباحث وأستاذ جامعي تونسي (1940 ــ 2009)
يُروى أن ابنة الشّاعر عدي بن الرقاع العاملي ــ توفي سنة 95 هـ/ 714 م شاعر كبير من بني عاملة ، سكن دمشق يُكنّى، أبو داود ، كان معاصرا لجرير مهاجيا له ، مُقدّما عند بني أمية ، مدّاحا لهم، خاصّة بالوليد بن عبد الملك ، لقّبه ابن دريد في كتاب الاشتقاق بشاعر أ هل الشام ــ وقف بباب أبيها قوم يسألون عنه فقالت : ما تريدون إليه ؟ فقالوا : جئنا لنهاجيه ، فقالت ـ وهي صبيّة ــ تجمّعتم من كلّ أوْب ووجْهة على واحد ، لا زلتم قرن واحد ، فقالت :
عجيب لقلب أسود الطّبع حاقد *** ينوء بوزْر فوق طاقة واحد
إذا جنّه ليل تداعت نجومه *** كمثل رجُوم أُطلِقت من مراصد
يبيتُ على جمْر يرى وهْج وقْده*** بأنفاسه الحَرّى على مهْد ساهد
فكم من قتيل في رُؤاه مُقطّع *** بأسياف وهْم سلّها من غلّ عامد
يمارس فعل القتل فيه خياله *** بعيدا بما يأتيه عن عين شاهد
وتحلو له آثامه طالما غدت *** بغير قَصاص حُكمها غير وارد
فإذا أثم لم تلقه غير نفسه ***ليخنق فيها كل صوت معاند
ويفقأ فيها كل عين بصيرة ***لئلا ترى ما جاءه من مفاسد
فيمسح آثار الدّماء مُموّها ***ويلبس بعد الإثم أثواب عابد
ويخرج تيّاها على الناس مثلما *** تتيه كلاب الصّيد في إثر صائد
وفي نفسه خِزْي وفي الحلق غصّة ***وإن كان يخفيها بحيلة كائد
ليرجع يبنيها إذا عاد جوعه ***مشاهد أخرى تلتقي في مشاهد
ألا أيّها الموتور لو عشت مرّة *** وأنت بلا زاد من الحقد زائد
تضمّد قلبا كم نكأت جراحه ***بجنبيك لا يرجو سوى كفّ ضامد
وتأسو مريضا في إهابك مزمنا *** وتنسيه يوما عبء تلك الشّدائد
فإنّك مأكول للحمك آكل ***وشارب كأس من دمائك فاسد
وعمرك كالغصن الذي طال قضْمه ***فما أينعت فيه ثمار لقاصد
فطهّر بماء الحب قلبك إنه *** كبركة ماء آسن الوجه راكد
وخلّ هواء الأرض يملأ دفْقه ***جناحيك من حام يهبّ وبارد
ولا تبتئس من نعمة الله عندما ***تراها بفضل الله تعطي لحامد
فما زال في الآصال حسن لناظر ***وما زال في الأنهار ماء لوارد
ومازال في الألحان شجْو لسامع *** وما زال في التّسبيح تقوى لساجد
فخذ من نصيب الناس ما أنت أهله *** وخلّ لإبليس ركوب المكائد
فما الغبن إلا أن تعيش كمُبتل *** بغيرك طوال العمْر للفضل جاحد
وقلبك مُغْبرّ على كلّ ناجح *** ووجهك مصفرّ على كلّ ماجد
فيا تعْس ما تخفيه من قلب حاقد ***ويا قبْح ما تبديه من وجه حاسد