تمرّد المهمّشين على المركز السياسي ثورة 17ديسمبر2010 بسيدي بوزيد نموذجا !!!

بقلم  : د . الهادي غابري

( شاركتُ بهذه الدراسة  سنة 2012 : الذكرى الأولى لانطلاق ثورة الكرامة بسيدي بوزيد)

تمهيد :

لماذا يتمرّد الهامشيون على المركز السياسي ؟ وكيف يتجـرّأ هؤلاء على شقّ عصا الطاعة والولاء ؟ وكيف يتقبل المركز السياسي هذا التمرد ؟

إن الاحساس بالتّهميش المقصود والمنظم ،ثم الحرمان الذي ينتهجه المركز السياسي تجاه جماعات بشرية في أمكنة معيّنة بمناطق نفوذه السياسي ، تولّد بالضرورة تمردا شعبيا واسع النطاق ، وذلك ان المهمشين يحسّون بالغبْن والحرمان من ثروات وطنهم وخيراته ، والحال أن أجيالهم المتلاحقة قد ساهمت بالدم في تحريره ، ثم شادت أركانه بالفكر والساعد ، ولم ينلها من نعم الوطن سوى الفقر والحرمان ، والمطاردة والسجون ، وتقزيم أبناء المهمشين مهما كانت قدراتهم الفكرية ، اذ هم في أسفل السلم الوظيفي رغم الكفاءة العالية ، أو هم في وظائف ثانوية ، ينظر اليهم المركز السياسي بعين الاحتقار والحذر في الآن نفسه باعتبار هؤلاء ينحدرون من بذرة التمرد المتوارثة .

 فالمهمشون متهمون منذ النطفة الأولى في الأحشاء بأنهم سلالة مناوئة للمركز السياسي ، ولذلك يُعدّ المركز السياسي أجهزة مختصة في مراقبة  ،ومعاقبة هؤلاء حتى ان أجهزة المراقبة باتت تنام تحت جفون، وتحت أغطية المهمشين وباتت لصيقة بأجسادهم لا تغادرها ابدا حتى أثناء اختلاء المهمش لقضاء حاجة بشرية في مكان معزول ، ومحكم الإغلاق ، هذه حالة المهمشين مع المركز السياسي الذي ينظر اليهم ككائنات صالحة للحلب ، والركوب في معناه الحقيقي والرمزي،   ولضمان ذلك يلجأ المركز السياسي الى استقطاب و إغراء ، وإغواء وارتشاء أفراد من جِلدة المهمشين  ، وهو انتقاء مدروس لهؤلاء ، ويصبغ عليهم ألقابا رنانة بغاية النفخ في صورهم لضمان ولائهم الى المركز السياسي،  فيكونون بمثابة الأذرُع  الطويلة التي تمد المركز السياسي بأخبار وأحوال المهمشين ، كي يكون المركز السياسي متأهّبا لقمع كل تمرد محتمل ،  يختمر في  أذهان وأحلام المهمّشين .

1 ـــ عسكرة الحزب :تأسّس الحزب الحر الدستوري سنة 1934بزعامة الحبيب بورقيبة (1903 ــ 2000) ثم وقعت تحْلِية اسم الحزب سنة 1987بثلاثة أرواح شرّيرة ، فالروح الأولى هي : التجمّع ، والروح الثانية هي الدستوري ، والروح الثالثة هي الديمقراطي فشكّلت الأرواح الثلاثة مقترنة اسم : التجمع الدستوري الديمقراطي ويترأس هذا الحزب الرئيس المخلوع  ــ زين العابدين بن علي (1936 ــ 2019) ــ وعيّن في صفوفه الأولى القيادية عناصر معروفة بفسادها المتعدّد ، لتزيح كلّ عنصر حزبي ذو شعور وطني صادق ، ساعدتها في ذلك عناصر أمنية بمكاتب إدارة الحزب المركزية في مقرّها  الكائنة بشارع محمد الخامس بتونس العاصمة ، وتتألّف بناية الحزب من 17 طابقا في شكل عمراني شبيه بالخازوق.

اسم الحزب لمّاع و خدّاع ، ضمّ في صفوفه ما يقارب ثلاثة ملايين من المنخرطين طوعا  ، وغصبا إلى حين إعلان حلّه قانونيا في أروقة محاكم تونس العاصمه  سنة2011 ، لم يكن الحزب منذ نشأته عقائديا ، بل كان حزبا أحاديا فاشيا يتجسّد في شخص بورقيبة ، ثم في شخص بن علي الذي جعل من الحزب أداة نفوذ تهيمن على البشر،  و تبسط ظلالها في الأماكن العامة وفي الإدارات ليتشكل بذلك نظاما شموليا تمت تحْليته بأحزاب معارضة ثمانية بالاسم فقط ، ليلعب بعضها دور الزّينة وتبرير أعمال السلطان ، فتمكن النظام البائد من تخريب القيم والعقول ، ولكنّ المهمشين لم يكونوا من ذوي الغفلة أو السذاجة ، بل كانوا يحلّلون ويفكّكون في الضّفّة الأخرى المنسية  ، الشّفرات الملغزة  في المركز السياسي ، وأساسا تلك الشعارات  الرنانة السحرية ، هدفها تخدير عقول الشباب والسيطرة عليه بوابل الوعود  والحلول الوهمية ، فتبيّن ازدواج الخطاب السياسي و زيْفه ، ثم اتسعت الهوة بين الهرم السياسي والقاعدة الشعبية ، وتصاعدت الاحتجاجات همسا ،  وتَفَشّت النُّـكَت السياسية اللاذعة ساخرة من النظام القائم ، فتداولها العموم عبر الوسائل المختلفة.

وقد ساهم الشباب المهــمّــش في صياغة النقد السياسي ، وإشاعته قي حين كان رأس النظام يؤسّس إلى تأبيد سلطته السياسية وراثيا في الأبناء دون بلوغ سن الرشد وفي الأصهار من أقرباء زوجته الثانية ــ ليلى الطرابلسي (مولودة سنة 1957 …) ــ الجهلة  ، فسنّ لذلك قوانين على القياس مناسبة .

كان رأس النظام و الحاشية ، والحرّاس يعتقدون أن القبضة الحديدية الأمنية  قوّة قاهرة لن يجرؤ أحد من الرعية على تحدّيها ، فهي فريدة التكوين وقادرة على النفاذ في كل لحظة إلى أعماق الأفراد  ، لمعرفة ما يجوس بنفوسهم من نوايا تنال من هيبة رأس النظام و سلطاته ، ولكنّ التقديرات كانت واهية أمام إرادة فرد شاب  متمرّدة نوعيا،  تحدّت كل أنواع الرقابة البشرية والالكترونية ، وهي إرادة الثّائر الفرد لكرامته ــ وهو الشاب طارق الطيب محمد البوعزيزي (1974 ــ 2011) ــ  الذي أقدم إراديا وعفويا  حسب بعض الآراء ــ أمام مقرّ ولاية سيدي بوزيد  عنوان السّلطة الفاسدة  ــ على حرق جسده يوم 17 ديسمبر 2010 ، بل تذهب آراء عكس ذلك  زاعمة أن يدا غريبة  مجهولة ، بارعة ، خفيّة ، غادرة ، قد أعدّت وسائل الجريمة سلفا ــ سائل سريع الالتهاب ووقود …ـــ ثمّ نفّذت عملية الحرق في جسد الشّاب  مستغلّة غضبه في الزّمان والمكان ، اليد الغريبة العجيبة هي يد سياسية  ــ دون شكّ ــ تبغي حراكا شعبيا عنيفا يهزّ أركان سلطة الاستبداد ـــ وكيلة الاستعمار الغربي في تونس ــ  بعد انتهاء صلوحيتها ، يبقى تدقيق وصحّة الحرق الإرادي أو الغدري طيّ الكتمان ــ إلى حين ــ قد تكشفه أرشيفات سيدي بوزيد المحفوظة في بعض الدوائر الادارية  المحصّنة بتونس أو خارجها حاملة لعبارة سرّي مطلق .  

2 ــ المهمّشون وإرادة الحياة :سيدي بوزيد اسم  وليّ صالح دفين المكان ، وهو اسم  مُحْدَث أُطْلِق  على المدينة خلال انشائها سنة 1901 ، حلّ الاسم  محلّ اسم  (قمودة* )القديم ،وهي جارة وادي الفــكّة الواسع ، فيْض مياهه الموسمية  ينساب من جبال الأوراس الجزائرية  فتغمر  المكان ، وتزيده خصوبة ، قمودة ذات هوية عريقة ، وحضارة  واضحة المعالم ، كانت تُعرف باسمها القديم  التاريخي قمودة ، أو قمونية  ، هي مدينة أمازيغية رومانية ، وكانت تُسمّى تقمودا Thagamuta، أي الزّهرة البريّة ،  واسم تقمودا قريب من كلمة تقمونت البربرية ،  أي التّــلّــة ، وهو المكان المرتفع ، بحكم موقعها   في جهة السباسب المرتفعة  بعض الشيء عن سطح  البحر ، كانت  قمودة ممرّا رئيسيا  للفاتحين العرب المسلمين قبل تأسيس مدينة القيروان.

أرض قمودة الخصبة والغنية بالمعادن الطبيعية ، وكثرة مياهها ، شجّع الفاتحين المسلمين الوافدين على زراعتها بمختلف أنواع الأشجار المثمرة ، وغيرها من الغراسات ،  وأشادوا  حول قمودة الحصون المنيعة  ،  وبنوا  بها المساجد الجامعة لنشر التعليم ، وأقاموا مختلف مرافق العمران المدني والعسكري ، وبها استقرّوا ، انتشرت  حول قمودة  مدن أخرى تدور في فلكها ،  يتألف سكّان قمودة  ــ آنذاك ــ من البربر، والروم ،  والعرب الفاتحين .

 وفَدَ إلى افريقيا ـ أي تونس اليوم ــ العرب من بني هلال ، وهم  المهاجرون من الشرق قادمين من نجد عَبْر سوريا ، وعَبْر صعيد مصر إلى المغرب ــ شمال افريقيا ــ على مراحل ، وتُعرف  تلك الهجرات في الحكايات الشعبية ، وتدوينات المؤرخين بتغريبة بني هلال في تونس ، أو الجازية الهلالية ، استوطنت قبيلة الهمامة احدى  سلالات بني هلال  قمودة ، وانتشرت حتى تخوم الجزائر ، وبداخلها أحيانا  ، عمل الهمامة على تعمير الأمكنة التي حلّوا بها ، وكان لهم الفضل شأنهم شأن باقي قبائل بني هلال في تعريب الألسن المختلفة بالمنطقة ، وبثّوا بين  الأعراق  المتعددة التقاليد الرفيعة ،  والقيم النبيلة ، والتعايش السلمي بين بني البشر على مختلف مشاربهم  ، وأعراقهم وعقائدهم السياسية والدينية.

السّلوك الحضاري الرفيع  والنبيل لبني هلال ، وسلالاتهم العربية  يُسَفِّهُ تلك النظرة العدائية الذي دأب على نشرها مؤرخون غربيون وعرب ، والقائلة : بأن بني هلال    مخرّبون :  خرّبوا افريقيا الخضراء ، هذا رأي مُغْرض ، لا يستقيم عقلا وواقعا ، لأن بني هلال جاؤوا للتّعمير وليس للتّخريب ، والحال أنهم يحملون قيما عربية اسلامية ، ويزعم بعضهم أنهم من نسل الأشراف ، سلالة الإمام علي ، وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم  ، ولذلك كان بنو هلال يحملون رسالة  يرمون إلى تثبيتها بين أقوام جديدة عنهم بإفريقيا ،  ومن صالح الهلاليين كسبهم ، لا تنفيرهم ،  والحال أن بني هلال أعجبهم اخضرار تونس ، ولهم ميل فطري للماء والكلإ ،  وهو مطلبهم  الأساسي لحياة  البشر ، وضروري لتربية المواشي ثروتهم .

في التاريخ المعاصر ،  كانت سيدي بوزيد معتمدية تابعة لولاية قفصة ، ثمّ تحوّلت إلى ولاية  سنة1973  ، ــ وتتألف من 13 معتمدية  تمّ انشاؤها على مراحل وهي : سيدي بوزيد الشرقية ، سيدي بوزيد الغربية ، المكناسي ، منزل بوزيان ،  الرقاب ، المزونة ، أولاد حفوز ، جلمة ، السوق الجديد ، الهيشرية ، بئر الحفي ، سيدي علي بن عون ، السبالة ، ــ تأسست ولاية سيدي بوزيد ، وفق تقسيم إداري أمني سياسي اضطراري  ، قام به نظام بورقيبة بعد نشوب احتجاجات شعبية ، وإجهاض عمل مسلح سرّي ــ  جانفي 1980 ــ كان بعض عناصره من جغرافية هذه الولاية ، فاقتضى الأمر آنذاك تشديد الرقابة على هذه الجهة  وابتزاز خيراتها ، وتهميشها لتكون خزّانا فلاحيا هائلا ، ومزوّدا بشريا لجهات أخرى محظوظة في السّاحل ، ولم تكن هذه الخطة اعتباطية ابدا ، بل هي مدروسة بناء على معطيات ، وتقارير أمنية منذ عهد البايات ،أنجزتها المخابرات العسكرية الفرنسية ،  و أرشيف هذه الجهة السياسي يشير أن لقبيلة الهمامة  سابقة في التمرّد على المركز السياسي  ، كلّما أحسّ أفرادها بالظلم أوالتّهميش.

 ومنها ثورة بشير بن سديرة  ــ من أولاد عزيز ،  سنة 1918 ــ 1920  ــ المسلّحة ، ومجالها جبال: عمْرة مسقط رأسه  ، عرباط بقفصة ، وهداج ،  وقولاب بالمكناسي ،  مات بن سديرة بالسند مغدورا برصاص  خليفة الفرطاس المتعاون مع فرنسا ، كان قد نجح الثائر محمد الدغباجي في تدعيم ثورة  بشير بن سديرة ، أعدمت فرنسا  الدغباجي شنقا في ساحة عامة في مدينة الحامة  ، مسقط رأسه ، ولاية قابس ، ترويعا لأهله ــ قبيلة بني يزيد العربية الهلالية ، ولم تكن قبيلة الهمامة بمعزل عن تأثيرات ثورات سابقة ، ومنها ثورة ، أو ربيع العربان ، بزعامة علي بن غذاهم ـ من قبيلة ماجر العربية الهلالية ــ سنة 1864 بجهة العيون ، ولاية القصرين  ، كانت ثورة ضد شطط  ارتفاع ضرائب سلطة باي تونس محمد الصادق باي (1813 ــ 1882) ، أعدم بن غذاهم سنة  1867 في سجنه بكراكة حلق الوادي بتونس .

 في سنة 1874 هاجم أربعون فارسا همّاميا ــ وأساسا عرش أولا عزيز ــ  جُبَاة الباي ببراري فُمْ الفَجْ ، التّابعة اليوم إداريا إلى معتمدية بئر الحفي ، كان الجُباة يسوقون أحمرة محمّلة بأكياس مملوءة بقطع نقدية ، وهي حصيلة الضرائب  المشطّة والمفروضة على أهالي الجريد خلال موسم جنْي التّمور  ،  اقتسم الفرسان  غنيمة الجباية كيْلا  ــ بالكبّوس : أي الشّاشية  ــ بينهم باعتبارها حقّا مسلوبا من الأهالي يتّمتع به البايات الأتراك في تونس ، بل كان البايات يدفعون بأموال ، وخيرات ، و صبيات تونس  إلى مدينة اسطنبول Istanboulمقر الخليفة العثماني ، بهدف رِشْوته لضمان كرسي الولاية  بتونس ، حركة الهمّامة المتمرّدة أرْعبت الباي ،  فكان قراره تأديب  الهمّامة ، وتشتيتهم في باقي أنحاء الإيالة التونسية ، فنُفِيَ بعض الهمّامة إلى وطن أولاد رياح ، وهي ــ سليانة ــ اليوم ، وآخرون إلى أولاد بوسالم ، هي بوسالم  ، اليوم التابعة إلى ولاية جندوبة ، وأفراد آخرون إلى صوّاف التابعة الى ولاية زغوان ، ثمّ شدّد الباي على المنفيين الرقابة والرّصد ، وكان الغرض من ذلك إضعاف الرابطة القبلية والدموية ، وتغيير نمط الحياة ، بسبب المناخ في الشمال الذي لا يلائم طباع الفرسان والخيول ، بل أجبر الباي الهمّامة على مغادرة المنطقة نفْيا  إلى الجزائر وليبيا  ، إثر حملات عسكرية شرسة عهد وزارة خير الدين باشا ( 1873ــــ1877) وخلّـد الشّاعر الشّعبي تلك الوقائع جاءت في مقطوعات نقدية ساخرة نذكر منها :

 نجْع أولاد عزيز يسمَعْ لِيه دْرِيزْ ***وما يحْمِلْش الذِّل *** ها البَاي الطّحّان ***ناوي يْغُزْ البِلْ***

ويعني بذلك الشاعر أن عرش أولاد عزيز الذي يتألف من : أولاد المبارك  ، و أولاد عبد الكريم ،  و أولاد محمد ، وأولاد بلهادي ،  و الردادية  ، والبدور،  وينحدر عرش  أولاد عزيز من قبيلة الهمامة ، وهي تسكن حاليا معتمديات ولاية سيدي بوزيد  ، وتنتشر في معتمديات ولاية قفصة .

انتشر اسم عزيز سريعا  ، ومنه دَرَجَتْ كُنْية عزيزي ،  و بوعزيزي ، نسبة إلى الجد عزيز الفارس المغوار ،هي  كُنْيَة فخر، واعتزاز ، و علوّ همة ، استوطن عزيز  مع عرشه حواشي وادي اللبن  الكائن شمال مدينة المكناسي ــ قبل نضوب بعض منابعه العذبة  ــ كان واد  غزير المياه و خصب المراعي ، قد نزل به عزيز قادما  في مرحول من الجزائر، يبغي  وصول افريقيا بالشمال ، المكان المنشود ، أغراه الواد وما جاوره من أراض  ، ومراع واسعة ، وتربة صالحة لتربية خيول القتال ، وخيول الفروسية  ، وتربية الإبل ، وأساسا منها فصيل المَهَارَى ، هي إبل جميلة المنظر ، سريعة العَدْو.

 تتألف (قبيلة الهمامة** )بدورها من ثلاثة عروش كبرى ، هم إخوة  : أولاد عزيز ، أولاد رضوان  ، أولاد مْعَمِّرْ،  وأما عرش أولاد عزيز فهو يسكن حاليا معتمدية المكناسي و منزل بوزيان والسوق الجديد  والسند  ، وينتشر على نطاق واسع في معتمديات سيدي بوزيد ، ومعتمديات  قفصة  ، وعديد الأماكن من بلاد الجريد. شكـّـل عرش أولاد عزيز حسب وثائق الأرشيف الوطني التونسي عنصر تهديد مباشر لكل سلطة مستبدة غاشمة ،  فهو يغضب ،  و يثور عندما تُداس كرامته لأنّه لا يقبل بالذّلّ مطلقا ، وقد ورد في التقارير السرية الاستخباراتية الفرنسية خلال الاحتلال الفرنسي لتونس ، أنه يجب الحذر وتشديد الرقابة على عرش أولاد عزيز الذي يسكن آنذاك  برّ المكناسي الكبرى : التي تضمّ وقتها ــ (سَبْعْطَاشْ ، 17 ) ــ  ترقيم محطّات القطار،  وهي معتمدية منزل بوزيان حاليا  ، وسقدال  ، وهي معتمدية السوق الجديد حاليا ،  والرقاب  ، والسّند .

 بعد الاستقلال شدّد النظام البورقيبي  على أولاد عزيز بالرقابة ، والملاحقة  ، والجهل والفقر،  رغم أن أعدادا هائلة من ثوارهم قد أبلوا  في معركة التحرير الوطني ، لقدرتهم الفائقة في اتقان حرب العصابات المتوارثة في قبيلة الهمامة العربية الهلالية .

 تتنزّل العقوبة البورقيبية الجماعية في إطار الانتقام منهم بسبب انضمامهم ، سنة 1955شأنهم شأن غيرهم من أنحاء البلاد التونسية إلى تيار  السياسي المحامي صالح بن يوسف (1907 ـ 1961) المعارض لبورقيبة ، والمنادي بتحرير كامل البلدان المغاربية ، عوض أنصاف الحلول التي قَبِل بها بورقيبة للفوز بسلطة تونس شكليا باعتباره وكيل فرنسا بالمكان ، تمّ اغتيال صالح بن يوسف سنة 1961 في ألمانيا بأياد تونسية  ، وبعلم من الرئيس بورقيبة ، تمّت محاكمة الجناة ،  والكشف عن المشاركين بعد ثورة 2011 بالمحاكم التونسية  .

خيبة الاستقلال واستفراد بورقيبة بالسلطة ، وتكديس  الخيرات  ،وإنشاء المشاريع بالساحل مسقط رأسه  ، أفرز غضبا في رجالات  من أولاد عزيز ، وأحرار آخرين من شتّى بقاع البلاد ، فانضموا سرا إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة سنة 1963 بقيادة  العسكري والسياسي الأزهر الشرايطي (1920 ــ 1963)ــ من أولاد عزيز ــ  أصيل قفصة للإطاحة بنظام بورقيبة  ،  صدرت أحكام اعدام في شأن المقبوض عليهم ، تمّ  التّنكيل  بسكّان كلّ منطقة كان أحد أفرادها ضمن الانقلابيين   ، وكان محمد الباجي قائد السبسي (1926 ــ 2019) وزيرا للداخلية الذي برع في التنكيل ، والتعذيب بالسّجون  ، والملاحقة  للمشبوه فيهم  ، من ولايات الشمال ،  والوطن القبلي ، والجنوب ،   كما تمّ في السبعينات من القرن  العشرين المنصرم إفشال عمليات تفجير ، وحجز كميات من السلاح بحوزة أنفار من أولاد عزيز كانوا يحاولون تفجير دار الحزب الكائنة آنذاك بشارع 9 أفريل 1938 بتونس ، كما شارك أنفار مقاتلون من أولاد عزيز غيرهم  سنة 1980 في عملية مدينة قفصة المسلّحة  .

تلقّت الفرقة المسلحة وعددها ما يقارب 60 فردا تدريبا عسكريا  على حرب العصابات بالتراب الليبي بعلم من العقيد معمر القذافي ،  (1942 ــ 2011) وتشجيع منه ، وقد  كانت السلطات الجزائرية   ــ على أعلى مستوى ــ عهد الرئيس الهواري بومدين (1932 ــ 1978)  تعلم باجتياز  المجموعة  ترابها ، سهّلت لها المرور بسلاحها على دفعات  ،  كي تهاجم مدينة قفصة جنوب البلاد  بهدف السيطرة عليها  وعزلها ، وإعلان نظام سياسي جديد  ، تشجيع الجانب الليبي والجانب الجزائري  على زعزعة نظام بورقيبة سببه : موالاته التامة الغرب في حين كان النظامان الليبي والجزائري عسكريين ثوريين  ، يخشيان غدر بورقيبه بهما من خلال تحالفاته مع أنظمة غربية تناصب البلدين العسكريين العداء

 العملية كانت محدودة ، لكنّها هزّت أركان النظام البورقيبي ، وكشفت هشاشته الأمنية بقيادة مدير الأمن الوطني آنذاك زين العابدين بن علي ،  إثر فشل العملية ،  وإحباطها بمساعدة قوة عسكرية ، وأمنية فرنسية ، ذات قدرات قتالية عالية  ، نزلت مباشرة على أرض قفصة  ،  عهد الرئيس  فاليري جيسكار ديستان (1926 ــ 2020) Valéry Giscard d’Estaing، فتمّ إعدام ما يفوق عشرة أنفار من الكوموندوسCommandos  المقاتل إثر محاكمات صورية  ، وتمّ اعتقال وإهانة أهالي المشبوه فيهم ، وتمّ التّشفّي من منطقة المكناسي الكبرى ، وسيدي بوزيد ، والقصرين  ، وقفصة … نظرا لماضي سكانها في التمرد على المركز السياسي ،  واعتبر النظام البورقيبي تلك المناطق نقاطا  ، خطرة حمراء ، وركّز بها عيون الرّ صد من عائلات مستوْردة منذ الإستعمار من القبائل الجزائرية  الشّاوية : ــ  أي رعاة الشّاة ــ ، التي لها أياد بيضاء على فرنسا  ، وقوّاها بعائلات محلية تربطها مصاهرات ، ومصالح وظيفية ، ومع ذلك لم يقدر النظام البورقيبي ، ونظام بن علي على قطع دابر التمرّد في نفوس  الهمامة ، لأن التّمرّد والثّورة جِبِلّة وطبيعة في  الهمامة حسب التقارير الاستخباراتية العسكرية الفرنسية ، وذلك متى لحقهم الضيم من السلطة القائمة ، ويمتاز الهمامة بقدرة التفاوض مع الخصم ، وسلاسة ربط التحالفات السياسية مع غيرهم من الأجوار ، ولهم خبرة قتالية عالية في حرب العصابات التي أرهقت سلطات الباي ، وألحقت أضرارا بالقوات العسكرية الفرنسية ، وكان  نظام بورقيبة ،ونظام بن علي يخشيان غضب الهامة  .

أما العهد الاستعماري الفرنسي فقد ذكرت تقاريره أنه لا يمكن السيطرة أو الاطمئنان لأبناء هذه الجغرافيا : أي الجغرافيا السّكّانية للهمامة ، لأنهم لا يقبلون التسلط  ،أو المسّ من الكرامة ، فهم مقاومون ومقاتلون أشداء   ، وأما نظام بورقيبة  وارث تلك التقارير،  فقد  حصر على هذه الجغرافيا السّكّانية البشرية واعتبرها نقاطا حمراء ، وجب خنْقها والتضييق عليها ، وكذلك لم يكن نظام المخلوع زين العابدين بن علي  براض عن هذه الجغرافيا المتمرّدة ،  فقد همّشها وحاول تدمير بنيتها الاجتماعية بزرع الفتن بين الأهالي ،  والأقارب من خلال  أخطبوط أمني حزبي متداخل بغاية تفكيك الروابط التضامنية  ، فإذا خرج أحد من هذه الجغرافيا السكانية عن النظام ، وأعلن العصيان يكون معزولا منفردا يمكن القضاء عليه بسهولة ،  ولتحقيق تلك الغاية نصّب بورقيبة ، ومن بعده وريث نظامه بن علي أفرادا ــ من هذه الجغرافيا السكانية ــ فمسكوا مناصب قيادية مدة طويلة في صلب الحزب الحاكم  ، أو أحزاب المعارضة الوهمية ، فكانوا في سلوكهم السياسي مشبوّهين متواطئين ضد مصالح ــ هذه الجغرافيا السكانية  ــ ووصفهم الأهالي بعيون الرّصد  ، والتجسّس على المعارضين  ــ من هذه الجغرافيا  ـ و سلوكهم المريب  هذا كان أخطر من الجهاز السري الأمني.

رغم الاحتياطات والتحذيرات حدث المحظور في نظر النظام ، فكان التمرد الفردي الذي أنشأه الشاب طارق الطيب محمد البوعزيزي  (1974 ــ 2011) بجسده الأعزل احتجاجا على كرامته التي نال منها النظام الرسمي  من خلال صَلَف أعوان شرطة تراتيب البلدية بالعنف اللفظي والعنف البدني ، مضافا إليه مصادرة رزقه ، وحجز عربة الفواكه البسيطة التي يتنقّل بها من مكان الى مكان للانتصاب .

تمرُّد نوعي على المركز السياسي ، قوامه جسد غمرته نيران ،  تمرّد تطهيري ليس في معناه الأسطوري في المعتقدات الدينية ، بل في معناه السياسي المعاصر باعتبار ان المكان الذي تمّت  فيه الشرارة القادحة ليس مكانا طقوسيا تعبديا ، بل هو مكان نفوذ سياسي ، ومصدر قرار سياسي باعتبار ان مركز ولاية سيدي بوزيد ، هي القصر الرئاسي بقرطاج محمولا ، ومتخيّلا في ذهن الشّاب ، وذلك أنّ الوالي بالمكان ، يمثل رئيس الجمهورية بالجهة حسب القانون.

أمّا حدث النار في ذلك المكان ، هو إعلان حملة تطهيرية للمكان المحمول في الذهن ، وهو قصر قرطاج مركز القرار السياسي ، وإن تباعدت واختلفت الجغرافيا السكانية ، والطبيعية بين سيدي بوزيد ، وهو مكان  كائن في الوسط  التونسي وفق الخريطة الطبيعية ،  وقرطاج مكان  كائن في الساحل الشمالي لتونس العاصمة وفق الخريطة الطبيعية  .

مضمون رسالة النار المتمرّدة في الجسد البشري بسيدي بوزيد ، يستهدف أساسا قصر قرطاج ، وتاريخه السياسي المعادي لجغرافية المهمّشين ، ولذلك كان تمرّد جغرافيا المهمشين طبيعيا ، وعفويا ، لم يتوقّعها مركز القرار السياسي ، وقد أخطأت كل أجهزة الرصّد في المستوى المحلي  ، والوطني وكذلك في المستوى العالمي ، وأساسا النظم العالمية الاستعمارية  صانعة أصنام الاستبداد ، وقد أمْعَنَت في تسليطها على الشعوب العربية المقهورة ،  ولكن تلك النُّظم لم تقدر على حماية وكلائها  أمام إرادة الشعوب الثائرة ،  وكانت قد رعت بعض النظم الاستعمارية  تلك  الأصنام الألاعيب في البلاد العربية ،  لعقود مقابل حماية مصالحها السياسية والاقتصادية ،  وكان زين العابدين  بن علي كما كان بورقيبة قبله صنيعة الاستعمار الذي شكّل الواحد منهم حسب المرحلة التاريخية ،  وصنع منه دكتاتورا صغيرا ، طريفا ، بل دمية  تنوبه في القمع والفساد  ، جاثمة على صدور التونسيين .

حدث الزلزال  ، وسقطت الأقنعة  ، اتسعت جغرافيا المهمشين ،  وشبّ لهيب الثورة في مدينة  القصرين المجاورة لسيدي بوزيد  وغيرها  من المدن التونسية وأريافها …  الزلزال  الثوري غيّر المشهد السياسي في تونس ،  وفي انحاء أخرى  من العالم  ، فتشكلت ملامح خريطة سياسية جديدة ، وفق إرادات الشعوب التي رفع شبابها شعارا مجلجلا موحدا ” الشعب يريد إسقاط النظام “.

انبثق هذا الشعار الإرادي الجماعي من جسد فرد ، نشأ في  جغرافية هذا المكان بكل قيمه التي همّشها المركز السياسي طويلا ، وبذلك تكون الإرادات الجماعية اللاحقة متناسلة من إرادة فردية شجاعة ، و مسؤولة قنصت اللحظة التاريخية المناسبة لتحترق ، بغاية إشعاع نور الحرية في مناطق العتمة التي يسودها الاستبداد ، وتُهان فيها الكرامة الإنسانية .                                                 

فسّر البعض الإرادة الفردية بأنها إرادة مغامرة ، أو يائسة ، وهذا تفسير لا يخلو من خلفية فلسفية  ،أو دينية ، أو سيكولوجية ، غايتها تشويه تلك الإرادة ، والنيل من عبقرية  البيئة ، والمكان اللذيْن صقلا عبقرية الإرادة الشابّة ، فنسجت خيوط التاريخ المعاصر.

كان إشعاع الإرادة الفردية بنوره الناري جذّابا تعْبويا وسحريا ، تحلقت حوله حلقات المهمّشين فأصبحت الإرادة الفردية جماعية ، ولم تكن حالة معزولة ذاتية كما روّج لها النظام البائد ، أو كما يروّج لها أعداء الثورة الآن .

الإرادة الفردية  ولاّدة الإرادة الجماعية في هذا المكان العبقري من برّ الهمامة  ، قد طالها الحصار في الحياة  ، وفي الممات أيضا ، وهو حصار مقصود بهدف وأْد المشروع الثوري الناري  ، ومن ثمة سرقة أهدافه ،والحال أن الثورة لم تكتمل بَعْدُ،  إذ تم تطويقها والالتفاف عليها ، وباتت كطيف مرّ عابرا من هنا ليحطّ رحاله بمصر وليبيا واليمن وسوريا  والسودان والجزائر ولبنان  والبحرين  والعراق … وبقاع أخرى في بلاد العرب .

3 ــ سرقة العدد 17 ديسمبر :تُؤرّخ الأحداث الكبرى المؤثرة في مسار التاريخ الإنساني بعدد  ، وهو تاريخ يبقى خالدا في الذاكرة الجماعية ، وبذلك يشكل نهاية عصر ، وبداية عصر آخر،  فهو إذن عدد فاصل بين نقيضيْن ، ولذلك تحتفل الشعوب بتاريخ ثوراتها ، وتجعل منه عيدا وطنيا ، وقد يُصبح ذلك التاريخ حدثا تاريخيا عالميا مميزا لأنه غيّر مجرى التاريخ ، وأثّر في السياسة العالمية .

تاريخ 17 ديسمبر2010تم خلاله حدث تاريخي جلل  مميّز من حيث قرار،  وطريقة تمرّد الإرادة الفردية في مكان مهمش على قرارات المركز السياسي بقرطاج ، مكانا تسلّطيا استبداديا ، فكان نتيجته تمرّد المهمشين جماعيا على المركز السياسي ، وخُلوّ وكر الاستبداد بقرطاج من الفاسدين ، فلاذ الطاغية الرئيس المخلوع  مُهَرَّبا إلى المملكة العربية السعودية يوم 14 جانفي 2011 ، وبقي منفيا بها رفقة أفراد أسرته ، حتى وافاه الأجل ، وهناك دُفن.

أعلن هذا التاريخ يوما وطنيا تؤرخ به الثورة التونسية المعاصرة  ،والمبرّر في ذلك هو تاريخ هلع الطاغية ، وهربه أو تهريبه في شبه مسرحية ، وهو ما عدّه المراقبون ، والمؤرخون للثورات العربية تحريفا مقصودا عملت في الخفاء جهات معينة  على دسّ تاريخ  14 جانفي و ضبطه عيدا وطنيا للثورة والشباب ــ بيوم واحد ــ ثم إعطائه صبغة قانونية ، عبر مرسوم رئاسي بإمضاء الرئيس المؤقت فؤاد المبزع ، وفق الفصل الأول من الأمر عدد 317 لسنة 2011 مؤرخ في 26 مارس 2011 ، يتعلق بضبط أيام الأعياد التي تُخوّل عطلة لأعوان الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الادارية ، وهذا مؤشّر على انقلاب التاريخ على التاريخ ، أي انقلاب التاريخ السياسي المزّور على التاريخ الشعبي الصحيح ، وبذلك تمّ حصار الإرادة الفردية في مماتها ، وكذلك حصار مكان تمرّدها بتجريد المكان من تاريخه النضالي بغاية طمسه ، ووضعه على هامش التاريخ .

في نظرنا  الانقلاب على تاريخ 17 ديسمبر الذي أصبح 14 جانفي ، لم يكن بريئا البتة ، ولنا مستندات واقعية مرجعيتها دينية ، وتاريخية وفلسفية ، وذلك أن صُنّاع الانقلاب التاريخي في الخفاء لهم  تلك المرجعية ثلاثية الأبعاد .

فالعدد 17 في نظرهم ذو صلة وثيقة بالتراث الديني الإسلامي ، فلا يمكن الاطمئنان إليه حتى لا يصبح مؤجّجا للثورات ،وكذالك حتى لايصبغ على تمرد الإرادة الفردية ــ  محمد البوعزيزي ــ  في ذالك التاريخ صبغة القداسة الإسلامية رغم أن التمرّد كان عفويا  ،ولا نعتقد أن الإرادة المتمرّدة كانت تعرف خلفية العدد 17 الدينية ، بل كان عددا مصادفة ، وكذلك كان شهر ديسمبر،  وسنة 2010 ، وإن كان التّمرّد الإرادي الفردي ، هو ثمرة سلسلة طويلة من النضالات الشعبية في أماكن مختلفة من تونس.

أما العدد 14 جانفي في نظرهم ، هو عدد مقدس ويستجيب لخلفيتهم الفكرية ، لأنه عدد يُومِئ الى خلفية تاريخ 07 نوفمبر1987 الذي انقلب فيه  الئيس المخلوع زين العابدين على الرئيس الهرم الحبيب بورقيبة  ، وهو تاريخ يَحِنّ اليه البعض،  فهان عليهم الغاؤه من الوطنيات ، فبات مندسّا في طيات العدد 14 جانفي ، فيكون العدد 07 حاضرا بالقوة في الأذهان نظرا لرمزيته الدينية ، والسحرية  ،والطبية فهو شديد الحضور في العدد 14 لأنه العدد 07 مضروب في اثنين  ، و أما العدد21 فهو العدد07 مضروب في03 .

أمّا الدّلالة الصهيونية للعدد 14 فيتمثّل في أنّه يوم العيد الوطني الصهيوني الموافق ليوم 14 ماي  1948 ، وهو التاريخ الذي تحتفل فيه الدولة  الصهيونية بنشوئها كيانا على الأرض محلّ الكيان الفلسطيني  ، وعلى هذا الأساس فإن الذاكرة الشعبية التونسية تربط بين هذا الرقم وبين  زين العابدين بن علي  ، التي ترى فيه رجل  دولة الكيان الصهيوني بتونس بامتياز ، التي  وفّرت له الحماية بالمعلومات ، وقد تمّ في عهده اغتيال القيادات الفلسطينية الثائرة الفاعلة بتونس ومنهم الشهيد : أبو جهاد ــ خليل الوزير ــ  وابو الهول …. وملاحقة التونسيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية ، وضبطهم في قوائم تندرج ضمن الارهاب الخطير الذي يهدّد أمن  الدولة الصهيونية من تونس ، ولذلك جنــّــد  المخلوع بن علي فرقا أمنية تونسية شرسة تسهر على أمن  الدولة الصهيونية الخارجي ، بل سمح لسلك ديبلوماسي  صهيوني سري بالتّواجد على مدى سنتين في فندق الهلتون  بتونس العاصمة ، وسمح أيضا بإرسال سلك ديبلوماسي تونسي إلى تل أبيب ، وقد  رصد للفرق الأمنية  رواتب خيالية من مجهود الشعب التونسي  مقابل تعذيب ، وقطع أرزاق ، وقتل كل من يفكّر في إزعاج دولة  العدو الصهيوني.

أرشيف ، وزنازين وزارة الداخلية التونسية ، وقاعات المحاكم تعجّ بأسماء مناضلين تونسيين أمواتا وأحياء ، ولذلك يكون العدد 14 مشوب بخلفيات أيديولوجية ، ودينية ، وسياسية عدوانية  ،تسئ للثورة وشهدائها بتونس ، وفي أنحاء العالم ،  كما أن العدد 14 يكرّم  الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي  ،لأنه أفلت من العقاب ، ولذلك احتفل به في منفاه بالسعودية ، وتلقى الهدايا من جهات عدة مباركة له نجاته من عقاب الشعب التونسي  ،وتكريما له لخدماته للعدو الصهيوني  وحلفائه ، فازداد المخلوع زين العابدين بن علي مع زوجته ليلى الطرابلسي إيمانا بالقدرة السحرية والدينية للعدد 14 ، كما أنه يكرّم  العدو الصهيوني باعتباره عددا مباركا ومقدسا  متولّدا من العدد 07  المقدس في التوراة .

وعلى هذا الأساس وقع تحريف العدد17  ،والانسياق به الى غير مساره الحقيقي ، وهذا الضّرب من التزييف يندرج ضمن سرقة ، واغتيال ارادة الفرد والشعب التونسي بهدف تهميش تاريخه النضالي ، وربطه مرة اخرى بالمركز السياسي الاستعماري الفرنسي ، لان العدد 14 هو تاريخ العيد الوطني الفرنسي الموافق لــــــ 14 جويلية من كل سنة  ،وبذلك يكون تحويل العدد17 الى 14 تحويلا سياسيا يستوجب التصحيح  ،حتى لا تلتبس على الأجيال الأعداد المدسوسة بخلفيتها الدينية  ،والسياسية لأن منْ هدف الى التحويل يعرف جيدا الدلالات الحقيقية للأعداد  ،ورمزيتها لدى الشعوب  ، ولا سيما الأعداد المقدسة وما يتناسل منها مثنّى وثلاثيا .

سرقة تاريخ إرادة التمرد الفردي والجماعي من هذا المكان ــ سيدي بوزيد ــ هو سرقة المكان نفسه  ،وتهميشه مرة أخرى في مخاتلة الذئب  ،وهي مخاتلة قدرت على الالتفاف على اهداف الثورة بركوب الانتهازيين الموجة الثورية ، والتستر بزييها تحت حماية جهات نافذة تتسلل هنا ، وهناك لتمرير مشاريعها المناوئة لمصلحة المهمشين مما يستوجب حذرا  ، وانتباها ويقظة أكثر،  لأن المشروع الثوري لم يكتمل بعدُ ، ما لم تتحقق الأهداف التي من أجلها كان يوم 17 ديسمبر الإرادي ثم الجماعي بسيدي بوزيد .

 4 ــ  الصّحفي ّ المصوّر اللّغز، من هو ؟ المخيال الشعبي الجمعي ــ في بلدان الطّغاة والاستبداد ــ  أضفى عناصر عجائبية على سيرة الثائر الفرد المرحوم طارق الطيب محمد البوعزيزي ، اعتبره البعض  كائنا مخلوقا من طينة غير طينة البشر، بل هو كائن ــ منذ خلقه ــ تتجلّى فيه صفات الخروج عن المألوف الدّالة على عنوان البطولة ، تفكّ قيود المسحوقين ،  أسوة بأبطال فرادى سبقوه عبر التاريخ ، قد ضحوا بحياتهم من أجل خلاص الآخرين ، وهو حلقة من حلقات المُخلّصين   ، قد قدر على شحن ملايين البشر ــ في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والسودان ولبنان والجزائر والبحرين … ــ الذين هبّوا تباعا  كلّ حسب ظروفه ، هاتفين بشعار واحد ” الشّعب يريد اسقاط النظام ” .

حركة تمرّد جماعي شاملة غير مسبوقة  ــ في التاريخ  العربي المعاصر ــ  وحّدها فرد بسيط  ، متواضع احتَرق بعفوية  ، لم يَعْتَلِ منبرا في هيئة رجل دين مُلْتح ، معمّم  وقور،  ولم يصْعَد منصّة في هيئة زعيم ، أو قائد سياسي حداثي ، ولم ينتصب واقفا على ظهر برميل ، ولم يرْتَق  حَجَرة تُعرف  بحَجَرة سقراط في ساحة  إحدى الجامعات التونسية ،   مُعتمرا قبّعة تشي غيفارا ، أو لينين ، وهو في هيئة شيوعي مُحرّض ، ولم يفرض نفسه  على شعبه بواسطة دبابة عسكرية ، كي يخاطب الجماهير ببيان عبر  أمواج الأثير، ولم  يوزّع سرّا مناشير وبيانات تحريضية ، ولم يتلفّع بكوفية فلسطينية رافعا شارات النّصر،و لم يكن عروبيا حالما بالوحدة العربية ، ولم يكن له  أتباع ، ولم يكن وراءه تنظيم ، أو دولة عظمى ، تسنده كما هو شأن الطّغاة المستبدين ، أعداء الحرية وحقوق الإنسان،كان  سنده الوحيد جسده الطرّي الشّاب ، قدّمه  علنا إراديا وعفويا طُعْما للنّار ،صورة  مريعة ، مرعبة  فضيعة ، انتشرت ــ بسرعة في العالم  ــ هي صورة لولبية نارية دائرية في شكل  زوبعة لافته ، تدلّ على مهارة  الصّحفي المُصوّر الحِرَفية  الذي التقط الصورة المؤثرة في اللحظة المناسبة خلال ثوان تماوجت فيها  ألسنة النّار متلوّنة حمراء صفراء ، فاحت منها رائحة شواء لحم الانسان بالطريق الرئيسي وسط مدينة سيدي بوزيد  .

 من يكون ذلك الصّحفي ّالمصوّر اللّغز ؟ هل هو من ضمن الحضور صدفة ،  أصيل مدينة سيدي بوزيد ، أم هو  غريب  الجنسية  ، تسلّل إلى مكان انتصاب باعة  الفواكه و الخضار، وهو  على دراية مُسّبَقة بما سيؤول إليه التّلاسن بين عون تراتيب  بلدية سيدي بوزيد ، فادية حمدي رفقة زملائها  وبين الهالك  ،  ولذلك كان الصّحفي  المصوّر اللّغز مستعدّا بجهاز التصوير المتطور لالتقاط الصورة  النّادرة المؤثّرة التّحريضية ، ظاهرها استهداف رأس النظام في تونس ، وباطنها أن تكون تونس منصّة ثورية ، وعبر ترابها تمرّ ترسانة  الأسلحة الغربية بهدف  إسقاط أنظمة ثرية مستبدّة  بجوار تونس ، لا ترغب فيها القوى الغربية .

  وإذا كان الحال  كذلك ، فإنّ  أمرا خفيّا ، قد  حرّض مُسْبقا  العون  فادية حمدي على التّشدّد مع بائع الخضار والفواكه طارق الطيب محمد البوعزيزي دون غيره  من الباعة ، و كذلك الأمر الخفيّ كان  يعلم نفسية الهالك و شخصيته الرافضة للضيم والهوان ، وعلى هذا الأساس يبقى الصحفي المصوّر اللغز محل سؤال ، ولا يعني ذلك الانتقاص مطلقا من أهالي سيدي بوزيد ، و التّشكيك في اتقانهم استعمال كاميرا  الهاتف الجوال ،  وهم المولعون باقتناء الجديد مهما كان الثمن ، ويتنافسون في ما بينهم .

 براعة الصورة تكشف عن هوية  الصحفي المصوّر ، هل هو مخرج سينمائي؟ يتقن فنون الخداع السينمائي  ، أم هو صحفي مصوّر حربي شجاع ذكي يلتقط الصورة الشّرارة للتّأثير في الرأي العام .

الصحفي المصوّر اللّغز كان بين الحضور ، أنجز المهمّة في سرية  ، ولم يتفطّن إليه السياسيون والمحللون ، وكذلك لا يعلمه جهاز الأمن بسيدي بوزيد ، لأن الأعوان بالمكان كانوا مدعومين بقوات أمنية شرسة ،  جاءت تعزيزا بأوامر رئاسية لقمع وتطويق الاحتجاجات بسيدي بوزيد ، كانت قوات البطش الداعمة  مذعورة  من هول العصيان والهياج بسيدي بوزيد ،  ولم تقدر على كبح الجماح  ، بل بادر  تلقائيا وخوفا  بعض الاعوان الانضمام إلى  موج الثوار.

بعد حادثة الحَرْق ، ذكرت المصادر الصحفية والإدارية أن  العون فادية حمدي هي سليلة عائلة أمنية ، والدها طاهر حمدي اشتغل عون أمن عمومي، ثم انضم الى أعوان أمن الدولة ــ البوليس السياسي ــ بمنطقة الأمن بسيدي بوزيد الولاية ، وعلى هذا الأساس سوف تكون عون التراتيب منضبطة صارمة  ، حذرة  من عيون الرّصد في أداء وظيفتها ، رغم الاغراءات المادية  المغرية الحافّة بوظيفة تراتيب البلدية ، بسبب المخالفات التي يحررها أعوان التراتيب في شأن المخالفين للقانون ، فهؤلاء يلجؤون إلى  الوساطة ، ومحاولة رشوة بعض الأعوان ، ولكن لا يفلح الرّاشون  كثيرا بسبب يقظة ضمير العون المهني ، ومراقبة الأعوان بعضهم لبعض ، أو خوف البلاغ عنهم إلى جهات عليا  ، فيقعون تحت المساءلة القانونية .

صورة احتراق الشاب الحِرَفيّة النادرة ،  نقلتها وسائل الاعلام العالمية هي بمثابة  بلاغ ، منشور ، خطاب سياسي ،  تحريضي تثويري ، استجاب إليه فورا سكّان ولاية  سيدي بوزيد ومعتمدياتها ، وانضمّ إليهم الجوار سكّان ولاية القصرين ومعتمدياتها ، واشتعل الفتيل عاما ساريا حتى العاصمة تونس  ، سقط شهداء كُثُر برصاص الأمن  ، وقنّاصين  مجهولي الجنسية  .

الصّحفي المصوّر لغز مجهول ــ إلى اليوم ــ ولم تبحث في شأنه أيّ جهة بتونس ، بل لم يخطر ببال رئاسات ما بعد سنة 2011 الكشف عنه ، وتحديد هويته باعتباره الفاعل الرئيسي في تغيير الخارطة السياسية العربية  ــ  بدءا بتونس الحلقة الضعيفة ــ الصحفي  المصوّر هو الذي ساهم إعلاميا في تطوير الاحداث ، وتأجيجها ،  كان المرحوم الهالك طارق الطيب محمد بوعزيزي ، منصّة تمّ استعمالهما بواسطة الصورة الفريدة في عالم الصّورة الرّقمية المعاصرة ، وبذلك هو ضحيّة من خلالها كانت نهاية نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ، وتلته أنظمة عربية أخرى  ، وما زال الطّغاة  تتداعون  للسقوط ، كلّ حسب دوره .

فادية حمدي هي ضحية الحدث وقع توظيفها كأنثى موظفة في سلك وزارة الداخلية  ، عدوّة الشعوب  في الانظمة العربية ، هي وزارة إرهاب ، وقمع  من خلال رعونة ، وخشونة أعوانها  الموالين  في عمياء لرأس السلطة ، عوض الولاء الى الوطن ، ولذلك تمّ التّركيز على العنف اللفظي والمادي  ــ  أمام الملإ ـ على الهالك ، من قبل عون أنثى ذات خطة بوزارة الداخلية  مما أثار غضب الهالك ، فثأر لكرامته كذكر في مجتمع محافظ ، تَلْهج بعض الألسن بأن الهالك واجه صلف العون الأنثى فادية حمدي بما يرفع عنه الحرج كذكر مُهان  في مجتمع ذكوري ، يبقى التلاسن وتبادل العنف بين الطرفين ــ إن صحّ ــ محفوظا في دفاتر الامن بالجهة ، إن لم تأت نيران  الثوار على وثائق إدارة الأمن بالمكان من جهة أولى ، ومن جهة أخرى قد يكون تمّ إتلاف الوثائق بفعل فاعل .

 هذا لا يعني أن الحقيقة طُمست برحيل الهالك متأثرا بحروقه  إلى دار الفناء ، لأن شريكته : المنصّة الضّحيّة فادية حمدي ، ما تزال على قيد الحياة ، إثر الحادثة تمّ التّحقيق معها ، ومع غيرها المعنيين  بالمكان ، والحال أن رأس النظام أصبح مستهدفا ، فبادر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي  رفقة قرينته ليلى الطرابلسي إلى زيارة  الهالك ملفوفا في القطن بمستشفى الحروق والإصابات البليغة  ببن عروس ، وهو يلفظ أنفاسه ، تأمّل المخلوع الجسد المومياء في سرير الموت ، كان مكتوف الأيدي حذو حرمه حزينا ، محاولة يائسة لمصّ الغضب الشعبي المتصاعد في كامل البلاد ، غضب أجْمع على حرق مراكز الامن ومقرات وزارة الداخلية  حيث توجد ، تمّت  مطاردة الأعوان ذوي الشبهة ، مستغلي النفوذ  ، هراوات السلطة المستبدّة ، لفظ الهالك أنفاسه بالمستشفى ، ولفظ المخلوع أنفاسه السياسية أيضا بقصر قرطاج الرئاسي  .

إثر دوران صورة  الاحتراق البشرية عالميا ، وبأمر رئاسي ، تمّ الاحتفاظ بفادية حمدي في إحدى  مخافر الأمن المنيعة بسيدي بوزيد  ــ كي يضحّي بها المخلوع لتتحمّل المسؤولية القانونية ــ باعتبارها ارتكبت الخطأ الفاحش أثناء تأدية الوظيفة ، لكن التطورات الميدانية لم تكن في صالح أجهزة الأمن ،  بعد سحب السلاح  من الأعوان ،و إحراق الثوار للمقرات الأمنية ــ ثأر شعبي  تونسي طريف وغير مسبوق نال  من أجهزة البوليس  القمعية  ــ  وفي المقابل  بقي الجيش الوطني التونسي محايدا ، يحرس المؤسسات العمومية والممتلكات الخاصة  ، وفي الآن نفسه يؤمّن سلامة الثورة والثوار.

 وخشية على حياة فادية حمدي  مع غيرها من الأعوان المطلوبين للثوّار، تمّ ترحيلها سرّا إلى أحدى الثكنات الأمنية  السرية بقفصة ، مع عزلها وتشديد الحراسة عليها  ، وتوفير ظروف مريحة لها ، كي لا تُقدم على الانتحار، و لن يجد المخلوع  بعد رحيلها شمّاعة يمسح فيها الغضب الشعبي ، في ثكنة الاحتفاظ السرية بقفصة ،  تابعت فادية حمدي  الاحداث على الشاشة المرئية ، أصبحت مضغة في الإعلام العالمي ، رهبة الثكنة ويقظة  عيون الأعوان المفتوحة دائما ، وهي تراقبها في أدق حركاتها ،  زادت من عزلتها ، وكسرت نفسيتها ، فتأثّر جسدها سلبا وهي العزباء ،  ولا سند لها في الخارج ــ سوى الأب البوليس الهرم المتقاعد،  وقلّة من أهلها المقربين جدا دمويا  ، ــ وهي تفكر في مصيرها بعد رحيل طارق الطيب محمد بوعزيزي ــ ضميرها يؤنّبها بأنّها هي السبب في نهايته تلك ، وهي لا  تعلم أن الخلاف بينها وبين الهالك سيؤول إلى تلك النتيجة المأسوية ، تحصل  المشادات الكلامية  بشكل روتيني بين الأعوان والباعة ، وهو أمر عادي يدخل ضمن مشاقّ مهنة عون تراتيب البلدية ، هذه المرّة المشادات انحرفت إلى غير مسارها الطبيعي ، وتمّ استغلالها سياسيا بواسطة  صحفي مصوّر مجهول ، كان متابعا للأحداث ولصيقا بالمكان .

تخلّت فادية حمدي عن وظيفتها قبل تقاعدها بسنوات قليلة  ، تمّت براءتها ،  والتزمت  بيت والدها ببلدة  المكناسي ، تعيش حياة طبيعية بين أهلها ، ولكن لا تعلم أنها صنعت الحدث العالمي  ــ من خلال مساهمتها العفوية أو المجرورة إليها دون علمها ــ المتمثّلة في جلاء الاستعمار الداخلي الجاثم على صدور الشعوب العربية ، وهي نظم الاستبداد التي زرعها  الاستعمار الغربي العلني  في البلدان العربية بعد رحيله ،  مخلّفا وكلاءه من العرب أنفسهم ليركبوا أعناق شعوبهم ، وُكلاء الاستعمار العرب هم في مرتبة : رئيس ،  أو ملك ،  أو أمير، أو سلطان ،  أو شيخ قبيلة ،  أو رئيس طائفة ، أو شاوش جهة ،  يحكم كل شعبه حسب أوامر الاستعمار الراحل  ،  الاستعمار الداخلي أشرس من الاستعمار الخارجي .  

رحل المرحوم طارق الطيب محمد بوعزيزي إلى جوار ربه ، واسمه حسب سجل الحالة المدنية ببلدية المكان  هو : طارق ، اسم الأب : الطيب، اسم الجد : محمد ، اللقب : بوعزيزي ، لكن الرأي العام دَرَج على استعمال اسم الجد محمد نظرا لمرجعيته التاريخية الدينية ، وهو اسم جاء صدفة في تسلسل الهالك ،  تمّ حذف اسم ابن  ــ كما هو في بلدان المشرق العربي ــ    من التسلسل التالي : طارق بن الطيب بن محمد بوعزيزي.

  رحل الرئيس المخلوع سنة 2019 ، فدُفن بالمملكة العربية السعودية ، التي  بها مكث منفيا منذ تهريبه إليها سنة 2011 ، وهو مُحْترق بنار كرسي السلطة الهزاز فَقِيدَه بقصر قرطاج الرئاسي  . 

طالت النار أسرة طارق بن الطيب بن محمد البوعزيزي القريبة والبعيدة ، أصبحت كنية بوعزيزي لعنة  تلاحق كل حامل لتلك الكنية واسعة الانتشار في برّ الهمامة ، نيران الألسن الخبيثة ، وهي القوى المضادة للثورة ، ضايقت باللفظ النّابي والعنف المادي  بعض  أقرباء الراحل ، آوت دولة كندا  بعض ما تبقّى من أسرة الهالك كحالة انسانية متأكّدة ، وذلك بعد عجز رئاسات ما بعد سنة 2011 بتونس عن تأمين الحماية والحياة الكريمة للعائلة البسيطة المنكوبة في ابنها ، في حين ينعم آخرون  في مستويات عليا قيادية بثمرات فلذة كبد تلك الأسرة ، و أساسا بعض أعداء الثورة ، هم يلعنون الراحل ــ قيم مخالفة لتعاليم الاسلام ــ وفي الآن نفسه يأكلون مريئا ،  ويتنفّسون برئتيْ الراحل محمد البوعزيزي  ، وهو  لا يعلم أنه كان منصّة بعد رحيله اعتلاها الجبناء الحواة ، وفي هذا المعنى قال الشاعر الإمام ، محمد بن ادريس الشافعي (766هـ / 820هــ)

لا تأسفنّ على غدر الزّمان لطالما    ***رقَصَت على جثث الأسود كلاب

لا تحْسبنّ برقصها تعلو على أسيادها ***  تبقى الأسود أسودا والكلابُ كلاب

تموت الأُسْدُ في الغاب جـــوعا          ***ولحم الضّأن تأكله الكلاب

وذو جهل قد ينام على حرير            *** وذو علم مفارشه التراب

5ــ دعوة شعبية إلى إلغاء المرسوم الرئاسي : المرسوم الرئاسي الذي أمضاه الرئيس المؤقت فؤاد المبزع (مولود 1933 …)  ــ هذا الأخير سليل سلطة البايات و نظام بورقيبة  ،ونظام بن علي بحكم مهامّ سامية تقلدها في تلك العهود ــ المرسوم المغشوش ، المدسوس  رفضه الثائرون ، و اعتبروه لاغيا لأن هدَفَه سرقة العدد 17 ، وكذلك قصْده إلغاء المكان سيدي بوزيد ،  وهو ما جعل مواطني تلك الجغرافيا يسْتعصون و يتمسّكون بيوم 17 ديسمبر عيدا للثورة  وطنيا ، فلا يلتحقون ــ خلال ذلك اليوم ــ  بالإدارات، عكس باقي الولايات بالجمهورية .

واستجابة للمطلب الشّعبي ـــ وتصحيحا لمسار تاريخ الثورة التونسية ، بعد مُضي عشر سنوات  من تاريخ انفلاقها ـــ   أمْضى الرئيس قيس سعيد (مولود 1958…)الأمر الرئاسي عدد 233 لسنة 2021 مؤرخ في 7 ديسمبر 2021 يتعلق بضبط أيام الأعياد التي تُخوّل عطلة لأعوان الدولة والجماعات المحلية  والمؤسسات الادارية ، ونصَّ الفصل الأول منه على أنّ عيد الثورة التونسية هو يوم 17 ديسمبر، وضُبط بيوم واحد ، وأما الفصل الثاني من الأمر يُلغي جميع الأحكام المخالفة لهذا الأمر الرئاسي  وخاصة الأمر عدد 317 لسنة 2011 مؤرخ في 26 مارس 2011 .

  وسبب تصحيح تاريخ الثورة التونسية  وجيه ،  يتمثل في أن الثورات في العالم تُؤرّخ ببداياتها  ، أي بأول يوم تنطلق الرصاصة في وجه النظام القائم بهدف إسقاطه  ، وهو ما حصل يوم 17 ديسمبر بسيدي بوزيد لأن الجسد المحترق إراديا هو بمثابة رصاصة اخترقت النظام القائم ، وأجبرته على التخلي  تهريبا عن منصب الرئاسة  .

المطلب شعبي  هدف إلى تصحيح التاريخ ، وهدف أيضا إلى إعطاء المكان سيدي بوزيد حقه الطبيعي ، و التاريخي ومن ورائه تاريخ تونس المعاصرة  ،لأن كلّ تزوير ينال العدد والمكان ، هو تزوير ينال من الوطن تونس برمّتها ، ومن الإنسان ــ هنا  أيضا ــ وكل مراوغة للعدول عن تصحيح تاريخ انطلاق الثورة قبل صدور الأمر الرئاسي   الممهور بإمضاء الرئيس قيس سعيد ، كانت  خزعبلات وحيلا مقصودة ، تكْمن وراءها خلفيات فكرية سياسية دينية سطّرها الآخرون ، ونفّذها الأعوان الانتهازيون ، المتزلّفون ، المنبطحون ، المحليون  ـــ هنا في تونس ــ لغايات سيكشفها التاريخ لاحقا .

ــــــــــــــــــــــ

  • قمودة ، لمزيد التفاصيل ، انظر التهامي الهاني ، قمودة تاريخها وأعلامها ، الاطلسية للنشر ، تونس 1997
  • قبيلة الهمامة ، انظر، المرجع السابق ، وانظر، الضاوي خوالدية  ، الهمامة أولاد بو يحي في القرن التاسع عشر من خلال مكاتيب القياد (د . ت) وانظر ،لوسات فالنسي الفلاحون التونسيون ، الاقتصاد الريفي وحياة الارياف في القرنين 18 و 19 ، ترجمة مصطفى التليلي ، المركز الوطني للترجمة تونس 2015 ، ص ص 47 ـ 122، وانظر ، الضاوي خوالدية ، الهمامة في القرن التاسع عشر : ثورة أولاد عزيز ، من أيام أولاد عزيز (1870 ــ 1875) ، مجلة الاتحاف ،تونس ،  العدد 76 فيفري ، 1997 ، وانظر ، مصطفى التليلي ، منطقة قفصة والهمامة في عهد محمد الصادق باي1859 ــ 1882) ، شهادة الكفاءة في البحث ، مخطوطة بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية ، قسم التاريخ ، تونس 1991، وانظر ، الوجاهات المحلية والمقاومة المسلحة للاحتلال الفرنسي ببلاد قمودة سنة 1881 : الكاهية أحمد بن يوسف والمرابط محمد كوكة ، روافد  ،  مجلة المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر ، العدد 21 لسنة 2016 ،  ص ص 86 ــ 114 ، وانظر محمد علي الحباشي ، عروش تونس  ، منشورات سوتيميديا ، ط3 ، تونس 2017 .
  • المعارضة ، انظر ، توفيق المديني ، تاريخ المعارضة التونسية ، من النّشأة إلى الثّورة ، الأحزاب القومية واليسارية والاسلامية ، مسكيلياني للنشر ، ط1 ، تونس 2012
  • Les Ouled Aziz ,Bibliothèque , IBLA ,t 47/8

الهوامش :

التمرّد : “هو الرفض والمقاومة للسلطة ،ويتخذ أشكالا متنوعة فمنه ، ماهو ذهني  ،ومعنوي أي رفض اسس العلاقات والمقولات الفكرية للنظام السائد ، والدعوة للتغيير ، ومنه ماهو تمرد فردي ازاء السلطة ، ويقترن باستخدام العنف بشكل مباشرلمنع العناصر الممثلة في السلطة من القيام بواجباتها الوطنية ، ويُعتبر ذلك تمردا بسيطا ، لانه لا يستهدف تقويض اسس السلطة القائمة  ، ومنه ما هو جماعي ، وهو ذو نتائج خطيرة  ، لانه يؤثر في النظام العام  ،ولا سيما إذا اقترن باستخدام السلاح ، إذ يُعرّض سلامة الدولة ، ونظامها للخطر،  وفي هذه الحالة تحدّد القوانين الجزائية عقوبات صارمة تصل الى الحكم بالإعدام . وقد يُستخدم المصطلح في الادبيات السياسية والتاريخية ، ليعني الثورة انما بهدف قلب النظام او بهدف الانفلات ،  والانفصال ،  وعلى اية حال فلا بد من التفريق والتمييز بين التمرّد ، والثورة  ، إذ أنّ التمرد حالة سلبية  ، ورفضية  ، بينما الثورة نظرة ايجابية تستهدف بناء نظام جديد ، وهذا ما يفرض على الثائر الانضباط التام” .انظر عبد الوهاب الكيلاني ، موسوعة السياسة ج 1 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 3 ، عمان 1990 ، ص785 .  الثّورة : يستخدم معظم المفكرين المعاصرين اصطلاح الثورة على أنه : 1 ــ تغييرات فجائية  ،وجذرية تتم في الظروف الاجتماعية والسياسية  ،أي عندما يتمّ تغيير حكم قائم ـــ والنظام الاجتماعي والقانوني المصاحب له ــ بصورة فجائية وأحيانا عنيفة بحكم آخر. 2 ــ تغييرات ذات طابع جذري (راديكالي ) غير سياسية  ، وإن تمّت هذه التغيّرات ببطء  ،ودون عنف (كما هو الحال ،عندما نقول ثورة علمية ــ ثورة فنية ــ ثورة ثقافية ) فن هذه التغيّرات المعاصرة تستخدم لوصف تغيرات شاملة متعددة في مجالات من الحياة” . انظر ، موسوعة السياسة ج 1، ص 870 . الثورة : هي أي تغيير سريع ومندفع في تركيبة المجتمع السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية ، وعادة ما يستخدم هذا المصطلح للتغيير السياسي ، ومن الامثلة عليه الثورة الأمريكية ، إذ انفصل سكان المستعمرات عن الروابط الاستعمارية ، وأسّسوا أمة مستقلة حاكمة لذاتها ، وفي الثورة الفرنسية تمّ خلع الحكومة الملكية المطلقة على يد المعارضة من داخل الدولة عن طريق انتفاضة شعبية ، في الثورة الروسية تمّت الاطاحة بالملكية القمعية ، على يد جماعة تبحث عن اجراء تغييرات اجتماعية واقتصادية شاملة  ،وفق النموذج الاشتراكي” .، انظر ، هتشنسون ، معجم الافكار والأعلام ، ترجمة خليل راشد الجيوشي ،ط 1 ، دار الفارابي بيروت 2007 ، ص147

الهامشية :” في الأصل نظرية اقتصادية تقوم على فكرة أن قيمة منتج ما  ، او خدمة معينة تتحد في النهاية بالالتقاء بين حدود التضحية التي يستطيع ان يقدمها البائع لبيع منتج  ، أوخدمة ما وحدود التضحية التي يقدمها المشتري  ،لامتلاك هذا المنتج للحصول على هذه الخدمة  ،وترتكز هذه النظرية في الاصل على قانون العرض والطلب . وقد استعير هذا المفهوم لاستخدامه بشكل مجازي في العلوم الاجتماعية ، لوصف موقع فرد او جماعة  من الافراد بالنسبة للمجتمع ، ومدى انتمائهم او اندماجهم في الكل الاجتماعي . وقد تبين انه بقدر ما يكون هناك ضعف في  الانتماء ، بقدر ما تكون هامشية الفرد والجماعة كبيرة . وتُطلق كلمة الهامش عادة على فئة المعوقين ، او غير القادرين على التكيف الاجتماعي، او المنحرفين او الجانحين او المهاجرين ،والذين عاشوا في وسط اجتماعي ــ ثقافي معين ثم انتقلوا للعيش في وسط آخر يبقون هامشيين بالنسبة الى ثقافة المجتمع الجديد ، نظرا لاختلاف القيم بين المجتمعين .كما يُستخدم هذا المفهوم في الميدان السياسي للدلالة على قرب فرد ، او مجموعة من مركز السلطة او القرار السياسي ، وتأخذ الهامشية السياسية اشكالا مختلفة في التعبير عن نفسها ، فقد تكون ارادية او لا ارادية . فوجود السلطة بيد قلة من النخبة ، وإبعاد الجماهير عن المشاركة فيها هو بحد ذاته تهميش للجماهير ، وإلغاء تأثيرها . رغم اخذ وجودها بعين الاعتبار ، وتغيب فرد او جماعة عن الدخول في لعبة الانتخابات النيابية مثلا هو مظهر من مظاهر الهامشية  ، وتعبير عن رفض الانخراط في المؤسسات السياسية القائمة . وتلعب الهامشية السياسية دورا ايجابيا او سلبيا بالنسبة للنظام السياسي ،  فهي إما أن تحفر قبر هذا النظام  ،أو تطيل عمره تبعا للمحتوى والوجهة التي تأخذها ، لهذا تنبه رجال السياسة في المجتمعات الديمقراطية الى خطورة هذه الظاهرة ، فأنشأوا المعاهد المتخصصة لقياس الرأي العام ، ولمراقبة ، وتتبع تطور المواقف السياسية للأفراد ،والجماعات حيال القوى ، والاحزاب السياسية القائمة على اختلافها “. انظر ، عبد الوهاب الكيلاني ، الموسوعة السياسية  ، ج 7، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،ط 3 ، عمان ،1990 ، ص 45 ــ 46  ، و لمزيد التفاصيل انظر، محمود اسماعيل ، المهمشون في التاريخ الاسلامي ، رؤية للنشر والتوزيع ، ط1 ، الاردن 2000 ، ذكر المؤلف أسباب تمرد المهمشين وثوراتهم  وهي : ثورة الزنج ــ ثورة الخشبية بالعراق ــ ثورة الحدادين بالأندلس ــ ثورة الزنج الثانية ــ دولة القرامطة بالعراق والبحرين ــ  ثورة عمر بن حفصون بالأندلس ــ ثورة حميم المفتري بالمغرب الأقصى ــ حركات العيّارين في العراق ــ حركات الأحداث بالشام ــ حركات الحرافيش في مصر .

العدد سبعة عشر، “عند المسلمين : عدد الحروف التي تدعو المسلم الى الصلاة سبعة عشر (أشهد أن لا إلاه إلا الله) وعـــــــــدد الركعات التي تحصل خلال الصلوات الـخمس اليومية سبعة عشـرة ـ 1ـ صلاة الصبح وهي ركعتان ـ 2ـ صلاة الظهر وهي اربع ركعات ــ 3 ــ صلاة العصر وهي أربع ركعات ــ 4 ــ صلاة المغرب وهي ثلاث ركعات ــ 5 ــ صلاة العشاء وهي أربع ركعات . ويتردد العدد سبعة عشر في التراث الإسلامي، ففي التراث هناك سبع عشرة نصيحة تهمس في أذن الأمير عند حفل التنصيب . ويقول التراث إنه كان لعلي ابن ابي طالب سبعة عشر رفيقا . عند المتصوّفة ، يقدس المتصوفة الشيعة السبعة عشر و يرون إليه رمزا لتوازن كل الأشياء . في تركيا ، يرتدي السبعة عشر في تركيا طابعا سحريا. “انظر ، جان م . صدقه ، معجم الأعداد ، رموز ودلالات ، مكتبة لبنان ناشرون ، ط 1 ، بيروت 1994 ، ص 178 ــ 179 . ” ويرد العدد عند الأقدمين في معرض الغزوات والبطولات من ذلك ان الملك الاكادي (نارام سين) في بلاد الرافدين غزا سورية وآسيا الصغرى 17 مرة . وقد تغلب خلال ذلك على مملكة (إيبلا) القريبة من حلب سنة 2150 ق . م وقضى عليها بعد أن دمرها . ويرد أيضا في تاريخ مصر القديمة حيت تعزى إلى (تحوتمس) 17 بطولة في معاركه التي خاضها ضد اعدائه . و تذكر كتب التاريخ أن القائد محمود الغزنوي نزل من جبال الأفغان الى شمال غرب الهند 17 مرة طوال حياته . وعلى صعيد العادات في الاسلام يبلغ عدد ركعات الصلوات الخمس 17 ركعة كل يوم “. انظر ، عمر الدقاق ، موسوعة الأعداد ، ظلال الأعداد وهالاتها في الأساطير و الآداب والأديان والحضارات ،فصّلت للدراسات و الترجمة والنشر، ط1 ، عمان 2006 ،ص 261العدد 14 :  “هو عدد ذو نسب أصيل إذ يتكون من مجموع 7 مع 7 ومعلوم ما لهذا العدد من أهمية وتفرد بين سائر الأعداد ، وتبعا لذلك كان من الطبيعي أن يرمز العدد 14 للكمال الذي يرمز إليه العدد سبعة في الأصل . وهكذا يغدو القمر بدرا بعد أربعة عشر يوما من ولادته ، وحينئذ يكتمل نموه ويبلغ دورة استدارته . وفي مقابل ذلك تدرك الفتاة مراهقتها حين تبلغ السنة الرابعة عشرة من عمرها ، وفي هذا السن تتبدى ملامحها ، وتتجلى محاسنها ، وإذ يطيب لمن حولها أن يشبهوها بنظيرها ، او اخيها القمر  . وبعض شعوب الشرق القديم في ربوع الرافدين ومنهم البابليون قرنوا العدد 14 مع الالاه (نرغا ) ، والمرجح ان صفة القداسة في هذا العدد هنا ترجع الى تـــولـّـده من العدد سبعة . ويجنح بعض مؤرخي المسيحية الى اعتبار حواريي المسيح اربعة عشر اي ، انهم اثنا عشر ، ومعهم المسيح نفسه وأمه السيدة العذراء مريم. وتقتصر اهمية العدد 14 على تزايد شهرته في العصر الحاضر ولا سيما عند المسيحيين في بلاد الغرب بسبب ارتباطه بتاريخهم  ،فيوم الرابع عشر من شهر فيفري من كل عام هو عيد المحبّين  ،او عيد الوفاء والحب والإخلاص ، ويسمى ايضا عيد (فالانتاين ) ويقال انه نشأ في ايطاليا ايام الرومان ، بفضل القديس( فالانتاين ) حين كان الفتيان والفتيات يتبادلون في يوم 14 الهدايا ، والبطاقات التي تحمل اسم إلاه الحب (كيوبيد ) مصحوبة برسوم قلوب حمراء ، ثم سرى هذا التقليد الى كثير من الامم في العصر الحديث ، ولاسيما لدى الجيل الجديد من الشبان على اختلاف عقائدهم وأجناسهم . اشتهر يوم الرابع عشر من جويلية سنة 1789 بانه يوم قيام الثورة الفرنسية  ، أهم الثورات في العصور الحديثة . فقد هاجمت يومئذ الجماهير الغاضبة سجن الباستيل في باريس ، وهدمته بعد ان حررت كل من كانوا فيه ، ثم أعقب ذلك محاكمة الملك لويس السادس عشر،  وزوجته الملكة (ماري انطوانيت ) ، وتمّ اعدامهما وسط مشهد صاخب من نشوة الجماهير،  واستبشارها . ويوم 14 من سبتمبر في كل عام هو مناسبة دينية عند المسيحيين ، ويسمى عيد الصليب “. انظر، عمر الدقاق ، موسوعة الأعداد ، مرجع سابق ، ص 258.

اترك تعليقاً