العلمانية و الدّين: وئام … أم صدام …؟؟؟

بقلم : د . الطاهر المناعي ، أستاذ التاريخ ، كلية الآداب والفنون والإنسانيات ، منوبة ــ تونس

ما دفعنا إلى الخوض في هذا الموضوع هو انتشار أحكام وشعارات في الأوساط الشعبية وحتى الطلابية تردد: يا علماني يا ملحد،يا علماني يا كافر،يا علماني يا حداثي… يا ماسوني.وتضع هذه الشعارات الإسلام في مقابل العلمانية وتقسم التونسيين إلى مسلمين من ناحية وعلمانيين من ناحية أخرى.وشعورا منا بخطورة هذا المزلق الذي يريد البعض جرّ البلاد إليه بتقسيمها إلى مؤمنين وكفّار ، نعرض عليكم بعض الأفكار المتصلة بالعلمانية والدين ، علها تكشف حقيقة العلاقة بينها ، وتزيل الكثير من الأوهام حول تكفير العلمانيين،  وحول فكرة أن الإسلام دين ودولة ، وستدور هذه المداخلة حول المحاور التالية :

  1. العلمانية والدين في العقيدة.
  2. العلمانية والدين في التاريخ.
  3. علمانية الدولة وعلمانية الأفراد.
  4. العلمانية وعداء الدين.

وقبل الخوض في هذه المواضيع نحدد مفهوم العلمانية:

هي مصدر صناعي مشتق من العلم أي بكسر العين لا بفتحها(1)وليست مشتقة من العلم كما ذهب إلى ذلك الشيخ عبد الله العلايلي(2) وهي مرادفة لمصطلح >> Laïcité  <<الفرنسي المأخوذ عن العبارة اليونانية Laikos  وتعني ما هو للشعب مقابل ما هو للكنيسة أو لرجال الدين،وما هو للشعب هو ممتلكاته ودنياه وتدبير شؤونه وحريته وعقله… وما هو للكنيسة هو عالمها ومقدساتها وفقهها وتشريعها ، فتكون المقابلة واضحة بين ما هو إنساني وبشري ونسبي،وبين ما هو ديني أو إلاهي مطلق ومقدس.هذا أساس المفهوم وسيحافظ على دلالاته حتى القرون الحديثة.فعندما نقول اليوم “تعليم لائكي” ( enseignement Laïque ) يعني تعليما مدنيا خاليا من التربية الدينية. وعندما نقول “نظاما علمانيا أو لائكيا” يعني نظاما يفصل بين الدين والدولة،لأن الدولة إنتاج بشري،هي مؤسسة مدنية ودستورية توافقية.

الدولة هي صورة الأم المعبرة عن آمالها وطموحاتها ومشاريعها… والعلمانية في بعدها السياسي ليست مذهبا،ليست عقيدة،ليست إيديولوجيا هي آلية،هي وسيلة لإدارة الحكم تماما كالديمقراطية.فأن تكون مؤمنا مسلما وأن تكون علمانيا لا يفسد للود قضية.لذلك يمكن أن يكون المرء مسلما أو يهوديا أو مسيحيا أو بوذيا أو قوميا أو ماركسيا،وهو علماني،والذين يضعون الإسلام (أو الإيمان عموما) في مقابل العلمانية (الكفر) مخطئون،فلا يوجد أي عداء في المطلق بين الطرفين إلا لمن يرغبون في تأسيس دولة دينية وهم يرفعون شعارات الدولة المدنية الديمقراطية .

  1. العلمانية والدين في العقيدة:

عندما يطالب جزء من الشعب وخاصة المثقفين منه بالعلمانية السياسية أي فصل الدين عن الدولة فإن لذلك مبررات أساسية عقدية تعود إلى اختلاف ماهية الدين عن ماهية الدولة. وهذا غير واضح لدى المسيحيين رغم أنهم بادروا بالدعوة إلى الفصل،وهو أكثر غموضا لدى المسلمين الذين يرفضون العلمانية رغم أن طبيعة الإسلام تقر بالفصل:نوضح هذه النقطة:

لقد قامت العقيدة المسيحية على أن المسيح هو “الإنسان-الإلاه” أو” الإلاه -الإنسان”. وهذا يعني أن طبيعة السيد المسيح مكونة من لاهوت وناسوت ولايمكن الفصل بينها.وعدم الفصل يعطي الإنسان من المنظور المسيحي القدرة على بلوغ الأقصى والأسمى من الكمال على الأرض،وهذا الجمع يصبغ على المسيح ضربا من القداسة تصوّغ تحريم الفصل بين ما هو ديني وما هو بشري.وثانيا تحريم الفصل بين الديني والدنيوي،أي بين الدين والدولة لتداخل الماهيتين.يقول الأب بطرس ضو في كتابه تاريخ الموارنة (ص 48 و 49) حول هذه الطبيعة الثانية للسيد المسيح :”وهذا الكمال المطلق حسب النظرة المسيحية الشاملة لا يتم دون تأليه الإنسان نوعا،وهذا التأليه يعني تداخلا بين جوهر الإنسان أي روحه وبين الجوهر الإلهي،بحيث يصبح الله حاضرا في قلب الإنسان”(3).

 وحضور الله في الانسان حسب هذه التعاليم حضور فعال ، يغيّر الطبيعة البشرية ويؤلهها ، وانطلاقا من هذه العقيدة عارضت الكنيسة البابوية الفصل بين الدين والدولة بقوة ، لانه من غير الممكن الفصل بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح ، ومن هنا جاء معنى ان المسيحية دين ودولة ، غير ان هذا المعتقد يتعارض مع قولة شهيرة للمسيح هي اعطوا ما لقيصر  وما لله لله وقد كانت هذه القولة مدخلا رئيسيا للدعوة الى الفصل في الفكر السياسي الغربي .

المهم أن السائد اليوم لدى المسيحيين أن المسيحية دين وليست دولة في ما هو الشائع لدى المسلمين ،  وخلافا للإسلام ، ان الاسلام دين ودولة . وهذا معتقد خاطئ .كيف؟ 

في الاسلام هناك فصل كلي بين ماهية الانسان وماهية الله بين اللاهوت والنّاسوت ، فلا تداخل بين الإلاهي والبشري ولا وحدة بين الماهيتين : ماهية الانسان وماهية الله . يقول الحقّ: قُلْ هُوَ الله أحَدٌ الله الصَّمدُ لمْ يَلِدْ ولمْ يُولَد ولمْ يَكُنْ له كُفُؤا أحَد ،  فالله سبحانه ليس كمثله شيء .الانسان خليفته على الأرض،   وليس صورته . ومن يقول بالماهية الواحدة يعتبر كافرا . والفقهاء كفّروا بعض المتصوفة مثل الحلاج الذي قال بنظرية الحلول .  والنبي محمد عليه السلام  وهو قمّة الهرم في المسلمين خاطبه ربه قائلا : قلْ إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مثلكُم يُوحَى إليَّ (4)والوحي جعل منه نبيا ولم يجعل منه ملكا . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه أنتم أدرى بشؤون دنياكم  وعندما أرسل أحد قواده في الفتوحات أوصاه ان لا يعطي الناس ذمّة الله ولا ذمّة رسوله وإنّما يعطيهم ذمّته هو، إشعارا له بأنّه المسؤول  وهو المفاوض،   يقول في وصيته إذا حاضرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله،  فلا تنزلهم على حكم الله  ولكن أنزلهم على حكمك،  فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا“(5) .

 وهذا ما حاول علي عبد الرازق اثباته في كتابه الاسلام وأصول الحكم  وهو ان الاسلام ليس دينا ودولة،   وأنّ أمر المسلمين ترك لهم يتدبّرونه حسب مقتضيات عصرهم . ولا توجد آية واحدة في القرآن تقول بأنّ الاسلام دين ودولة . وهذا الربط بين الدين والدنيا هو اجتهاد من بعض الصحابة على إثر وفاة الرسول،  اجتهاد قد يكون أحد أسباب ما حدث للمجتمع الاسلامي من انقسامات سياسية ومذهبية ،  ولما يحدث اليوم من تعصب وصراعات دموية على الحكم في الجزائر وأفغانستان  ونيجيريا ومصر ،  وحتى في تونس بدأنا نشهد صراعا في هذا الاتجاه .

بناء على ما تقدم من الفصل بين الدين والدولة في الاسلام انطلاقا من الفصل بين ماهية الله وماهية الانسان،  فان المسلمين كلهم علمانيون اي من طبيعة بشرية ، ليس فيهم فقهاء يقولون بعدم الفصل بين اللاهوت والناسوت . اما المسيحيون فإنهم يقولون بالجمع بين الاهي والبشري ، ومع ذلك قبلوا الفصل بين الدولة والكنيسة،  وقبلوا كل النتائج المترتبة على ذلك .

2 ــ العلمانية والدين في التاريخ

 استعرض محمد عبده في كتابه الاسلام والنصرانية مع العلم والمدنية الاصول التي قامت عليها الديانة المسيحية: وهي :الإيمان بالخوارق ــ سلطة الرؤساء ــ  ترك الدنيا ــ  الايمان بغير المعقولــ   الكتب المقدسة حاوية لعلوم الدنيا والآخرة  والتفريق بين المسيحيين وغيرهم … ومن هنا كانت نتائج هذه الأصول كارثية على المجتمعات المسيحية : أعرض الناس عن العلم  وإعمال العقل خوفا من رجال الدين : وانتظروا حتى بلغتهم العلوم الاسلامية والفلسفات اليونانية  عبر الأندلس : روميس أحد علمائهم قال: إنّ قوس قزح ليست قوسا حربية بيد الله ينتقم بها من عباده إذا أراد ، بل هي انعكاس ضوء الشمس في نقط الماء . فجُلب الى روما وحُبس حتى مات .غاليلي قال : بدوران الأرض ، فحاكمته الكنيسة وحكم عليه بالسجن مدى الحياة ؟ في الاندلس انشئت محاكم التفتيش لمقاومة العلم والفلسفة التي نشرها ابن رشد ، حكمت هذه المحاكم على عشرة آلاف بأن يُحرقوا ،  وهم أحياء ،  فأحْرقوا ،  وعلى ستّة آلاف بالشّنق ، فشُنِقوا(6). بالإضافة الى ذلك  ابتدعت الكنيسة صكوك الغفران لمن يعترف بذنوبه ويتوب ،  وهي طريقة للإطلاع على أسرار الناس  ومراقبة أعمالهم . واضطهدت المسيحية المسلمين واليهود  الذين فروا من الاندلس الى شمال افريقيا . يضاف الى كل ذلك ما ارتُكب من مجازر في حق الطائفة البروتستانتية  والتي دفعت بالآلاف منهم الى الهجرة نحو انجلترا  وفرنسا  خلال القرن السابع عشر . ودون ان ندخل في تاريخ الصراع بين الملوك في أوروبا  والكنيسة  والذي انتهى لصالحهم ، فان الثورة الفرنسية 1789 جاءت ردّ فعل طبيعي على تاريخ الكنيسة المظلم فحيّدتها  وأخذت منها كل الامتيازات  تقريبا . وكان قانون 1905 حاسما في إبعاد الكنيسة عن التدخل في الحياة السياسية  والمدنية  نهائيا ، وخاصة في مجال التعليم ،  ثم وقعت دسْترة  العلمانية في دستور 1958 الذي يقول فرنسا جمهورية علمانية  تكفل المساواة امام القانون لكافة المواطنين دون تمييز في ما يتعلق بالأصل والعرق او الدين وهي تحترم جميع  المعتقدات “(7)

هذا الفصل بين الدين والدولة رأينا أسبابه فما هي تبعاته ؟

1 ــ الدولة الفرنسية دولة جميع الأديان وجميع الطوائف :مسلمين  ومسيحيين  ويهود وبوذيين وملحدين

2 ــ الدولة أصبحت مدنية قوانينها مستمدة من عقل الشعب  وروحه  من حاجاته ورغباته .

3 ــ الدولة علمانية والأمّة تمارس شعائرها بكل حريّة .

 4 ــ الدولة راعية للجميع دون استثناء أو تهميش .

هل حدث مثل هذا في تاريخ المسلمين ؟

 نعم حدث وإن كان بدرجة أقلّ ،  وفي فترات متباعدة . لقد استغلت السلطة رجال الدين ،  ووضعت الدين مظلة لتمارس باسمه القمع  والاستبداد : وكثيرا  ما كانت توجّه إلى اصحاب الرأي  والمعارضين تهما مثل: كافرــ مرتدّ ــ مارق ــ  زنديق ،  واليوم نستمع الى نعوت أخرى مثل : علماني ــ  حداثي ــ ماسوني  وحتى صهيوني …

في القرون الاخيرة كانت معظم الدول العربية ولايات عثمانية  وهذه الولايات توجد بها نسب مختلفة من المسيحيين :ففي لبنان مثلا تصل النسبة الى 53 بالمائة ، وفي سوريا إلى11 بالمائة وفي الأردن الى 8 بالمائة  وفي مصر إلى 15 بالمائة . وقد نظم وضع أهل الذمة ، منذ القديم ، وفي دار الاسلام بمجموعة من الاحكام  والاجتهادات  وتمتعوا بالحماية ، ومع ذلك ابعدوا في اغلب فترات التاريخ عن مراكز السلطة الحكومية وعوملوا  معاملة الاقليات وهُمّشوا(8) . وخلال القرن التاسع عشر  حدثت حروب  أهلية طاحنة  في لبنان قُتل فيها الالف المسيحيين والمسلمين اللبنانيين .  ونتيجة لذلك هاجر عدد منهم الى بلدان أروبية  وأمريكية وعربية  ومنها مصر.  في مصر نادى فرح أنطون (1874ــ 1922)  في جدله الشهير مع محمد عبده (1849ــ 1905) والمتضمّن في كتابه  “ابن رشد وفلسفته ” ،  نادى بضرورة فصل الدين عن الدولة لتكريس مدنية الدولة وتحقيق فكرة المواطنة ، انطلاقا من هذه المبررات :

 ــ اولا في ظل الدولة المدنية تطلق الحرية التامة للفكر ليبدع  وينتج  وينقد دون خوف من سلطة دينية تراقب  وتنهى وتأمر. فالأديان جاءت لتحض على الفضيلة  وفعل الخير،  والحكومات جاءت لتثبيت الأمن والسهر على مصالح المواطنين ، والدولة المدنية لا تفرض على احد معتقدا ما او سلوكا ما ، أو لباسا ما .

ــ ثانيا في ظل الدولة الدينية لا تتحقق المساواة والعدالة : فهي دولة دين ما ، أو طائفة ما من المجتمع الذي به أديان  وطوائف  ومذاهب  وحتى ملاحدة . فالحكم باسم دين ما ، أو طائفة ما ، أو مذهب ما ، يفتح الباب للامتيازات  والمحاباة والمعارف … ويؤدي الى كثير من التوترات الاجتماعية  والى التقاتل : خذ مثلا الحرب الاهلية في لبنان وما يجري في العراق  وفي الصومال وفي نيجيريا .

ثالثا، من دواعي الفصل في نظر فرح أنطون أنّ ثمّة شؤون تتعلق بحياتنا  ومعاشنا  وبالتنظيم السياسي  والاقتصادي  والمدني يجب أن تُعطى للعقل أي للدولة ، وهناك شؤون تتعلق بحياتنا الروحية  والإعداد للآخرة  تُعطى للقلب أي للدين . ثم انه يعتقد ان عالم السياسة فيه  الكثير من النفاق والخبث والدهاء ، وعالم الدين مبني على الطهارة والقداسة ، والجمع بينهما فيه تدنيس للدين بأوحال السياسة(9) .هذه السياسة التي قال فيها محمد عبده: أعوذ بالله من السياسة ومعنى السياسة ،  ومن كل حرف يلفظ في كلمة سياسة ، ومن كل شخص يتعلّم او يجنّ أو يعقل في السياسة  ومن ساس  ويسوس  وسائس  ومسوس (10).

3 ــ علمانية الدولة وعلمانية الأفراد :

يجب ان نذكر ان هناك فرقا بين علمانية الدولة وعلمانية الافراد . فالدولة شخص اعتباري ، والمواطن شخص طبيعي ــ حقيقي ــ : علمانية الدولة ليست علمانية فلسفية ، بل علمانية سياسية حقوقية إدارية  والمواطن قد يكون  علمانيا من أنصار الفصل وهو مؤمن متديّن ،  وقد يكون خلاف ذلك ، الإيمان والإلحاد  عقيدة شخصية  لا دخل للدولة فيها . والدولة لا يجوز لها أن تكون دينية الطابع لأنها ستفرض عقيدتها على الآخرين . ويجب أن لا تكون ملحدة  لأن الإلحاد يدفعها الى معاداة الدين .علمنة الدولة معناه جعلها محايدة :  لا مؤمنة ولا ملحدة : والفصل هنا لا يعني أنها ستحارب الدين او تعاديه .  وإنما معناه اهتمامها فقط بمجالها المدني  والزمني . ولهذا المجال شروط هي :

ــ الشرط الأول، العقلانية :  ومصدرها الانسان ــ الشعب ــ  في كل ما يتصل بشؤونه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ـ دساتير قوانين.

ــ الشرط الثاني ، الحيادية : حياد الدولة تجاه مواطنيها وعقائدهم .  فهي لا تتدخل في حياة الناس الخاصّة،  بل هي مطالبة باحترامهم  على اختلاف مذاهبهم وفلسفاتهم ، تنظر إليهم نظرة متساوية . فلا تنحاز إلى هذا الدين أو الى هذا المذهب أو الى هذه الطائفة لأن عكس هذا يحدث خللا بمبدإ المساواة في المواطنة .

الشرط الثالث، الحرية : حرية العقيدة مصانة لكل المواطنين  والدولة  مطالبة بحماية هذه الحرية حتى يمارس كل مواطن عقيدته بحرية  لا تحدها سوى القوانين  الضامنة لوحدة الشعب وسيادة الدولة (11).

وعلى هذا الاساس فالدولة المعادية للدين ليست علمانية ،  والدولة التي تستخدم الدين او تتستر به ليست علمانية .  والدولة العلمانية لا تملك حق علمنة الانسان حتى لا تتعدى على حقوقه وحريته الدينية .  فعلمنة الانسان متروكة للانسان نفسه كخيار يمارس به حريته .  ولنا في المثال التركي خير دليل ،  فالدولة في هذا النظام علمانية والشعب مسلم . ولا احد يشك في اسلامه .

 اذن ان الدول  العلمانية ليست ملحدة : لان الدولة لا عقيدة لها  والعلماني ليس كافرا  ولا مرتدا  ولا ماسونيا ،  وانما هو مواطن حريص على مدنية الدولة في دستورها وتشريعاتها  وتعاملها مع مواطنيها .

4 ـ العلمانية وعداء الدين :

يمكن الجزم بأنّ الذين دعوا الى العلمانية وفرضوها في فرنسا في اواخر القرن التاسع عشر كانوا من اشد الناس ايمانا بالمسيحية ، فقد كان جول فيري الفرنسي (1832ــ1893 ) بروتستانتيا ، وفي مصر كان فرح انطون شديد الايمان . وانتهى العداء للدين في العلم باسره ،  ودُفنت مقولة كارل ماركس (1881 ــ 1883)

” إنّ الدّين أفيون الشّعوب “باعتراف علماء الاجتماع  وعلماء النفس  والانتروبولوجيين بأن الدين معطى اجتماعي  وانساني  لا يمكن تجاوزه .

إنّ العلمانية لا تعادي الدين بدليل ان الشعوب التي اختارت الفصل ، زال  منها التناحر الديني  وهي تنعم اليوم بالأمن  والسلم والاستقرار ،  على خلاف شعوب يذبح فيها الناس بعضهم بعضا بدم بارد . والعدو  الحقيقي للدين هو التعصب “هو الأصولية باعتبارها ايديولوجية شمولية “(12)

نخلص الى القول إنّه لا عداء بين العلمانية والدين .  وعلْمنة الدولة لا تعني علْمنة المجتمع . فالمجتمع متديّن بحكم التاريخ  والواقع  والدولة علمانية بحكم طابعها المدني  ومؤسساتها الديمقراطية .

الهوامش :

1 ــ أحمد حاطوم ، العلمانية بكسر العين لا بفتحها ، مجلة الناقد ، عدد 20 شباط / فبراير 1990 ، ص 44

2 ــ مفكر قومي ولغوي لبناني (1914 ــ 1996)

3 ــ  عبد العزيز قباني ، الدولة العلمانية … لماذا لبنان ، دار الحرف العربي ، 2005 ، ص 66؟ ص 73

4 ــ سورة فصّلت ، الآية 6

5 ــ صحيح مسلم للإمام ابي  الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ، دار المغني ، السعودية ، دار بن حزم  ، لبنان  ط1 1419 هـ ــ 1998م ، كتاب الجهاد  والسير ، ص 953 ، يقول الحديث : وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة الله  وذمة نبيّه  فلا تجعل لهم ذمّة الله  ولا ذمّة نبيّه  ولكن اجعل لهم ذمّتك  وذمّة أصحابك فإنّكم أن تحفزوا ذممكم  وذمم أصحابكم أهون من أن تحفزوا ذمّة الله  وذمّة رسوله  وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله ، فلا تنزلهم على حكم الله  ولكن أنزلهم على حكمك فإنّك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا . 

6 ــ  محمد عبده ، الاسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ، سوسة ، دار المعارف 1995 ، ص19 وما بعدها

7 ـ  غي هارشير ، العلمانية  ترجمة رشا الصباغ ، سوريا ، دار المدى للثقافة والنشر ، 2005 ، ص 25

8 ــ اليكسي جورافسكي ، الاسلام  والمسيحية ، ترجمة خلف محمد الجراد ، عالم المعرفة ، عدد 215 ، نوفمبر / تشرين الثاني 1996 ، ص 175  وما بعدها

9 ــ فرح انطون ، ابن رشد وفلسفته ، بيروت ، دار الفارابي 1988،  ص 248

10 ــ  محمد عبده ، الاسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ، ص 87

11 ــ عبد العزيز قباني ، الدولة العلمانية … لماذا؟ ، لبنان ، دار الحرف العربي ، 2005 ، ص 73

12 ــ رجاء بن سلامة ،عن العلمانية باعتبارها مبدا توحيد ومساواة بين المختلفين، في المسالة العلمانية 2 ، نصوص من الاوان حول مفهوم العلمانية ، سوريا ، دار بترا 2009 ، ص 69

اترك تعليقاً