بقلم : د . حسن الهرماسي ، أكاديمي تونسي
مقدمة:
تعدّدت واختلفت نظم الملاحظة والقياس والتقييم للمجهود البشري في مجال التنمية, باختلاف المصادر والمستعملين لهذه المقاييس ، ومجالات الاستعمال من قبل المهتمين: البنك العالمي, صندوق النقد الدولي, منظمة الأغذية والزراعة, برنامج الأمم المتحدة للتنمية…هذا التعدّد والاختلاف في التقسيم يعود بالأساس إلى الحاجة الملحّة في اعتماد مقياس دقيق لتقييم نظام اقتصادي عالمي يتّسم بسرعة الحركة والنمو والتطور. ومؤشّر التنمية البشرية هو أحد المقاييس المعتمدة في قياس ، وتحديد حركة التنمية وتطورها في مختلف البلدان.
وبالرغم من الاتفاق حول مفهوم التنمية ومضمونها, إلا أن هناك اختلافا حول تعريفها ،وخاصة عند تعدد العناصر التي يجب اعتمادها في قياسها. فهي تعني عند البعض التنمية الحضارية بالاعتماد على النفس بتعبئة كافة الإمكانات والطاقات الوطنية, فإن البعض الآخر يرى أن التنمية يجب أن تكون شاملة وتضرب جذورها في كل جوانب الحياة ، وقد تؤدي في النهاية إلى مرحلة جديدة من التحديات. وهي تتخطى عند البعض مجرد تحقيق نمو مقبول في الناتج القومي إلى تحقيق تبدلات جوهرية في المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية وحتى الفكرية. وقد تتخطى التنمية الإنسانية بالمفهوم الواسع, التنمية البشرية التقليدية من حيث أنها أوسع ،وأشمل وباعتبارها تنمية تتضمن بناء قدرات الإنسان وتوظيفها في انجاز الرخاء للإنسان.
لكن مفهوم التنمية البشرية كما نعرفه ونعتمده اليوم هو كسابقيه من مؤشرات القياس يعتمد البعد الاقتصادي في الأساس ،من خلال الدخل القومي للفرد ومستوى العيش المرتبط بدوره بالعامل الاقتصادي، وأضيف إليه طول الحياة والصحة الذي هو في الكثير من جوانبه مرتبط بالعامل الاقتصادي أيضا.
ويظل التفكير في مؤشرات أكثر إحاطة بالتنمية الانسانية, مسألة ملحة للغاية كالتركيز على أبعاد أخرى مثل الشفافية في التسيير وأخلاقياته والحكم الراشد ، او الرشيد والتنمية المستدامة… لهذا السبب يطرح البعض مؤشر تنمية بديل يضيف إلى ما جاء به المؤشر الحالي بعض العناصر الأخرى كالحرية السياسية والاقتصادية وضمان الشفافية ، ومساهمة المرأة والأمن والحماية من التلوث وعدد المشتركين في الأنترنات وغيرها.
وسنتعرض لذلك عند تحليل الأوضاع في البلاد العربية. وبالرغم مما سبقت الإشارة إليه, سنعتمد المؤشر المتوفر لقياس وتحليل أوضاع التنمية البشرية في البلاد العربية آخذين بعين الاعتبار هدفين اثنين:
الأول: هل أن التنمية ووسائلها المعتمدة والمستوى الذي تحقق يستجيب لمطامح الشعوب في هذه البلدان؟
الثاني: كيف يمكن أن تتواصل عملية التنمية, إذا كانت قد حققت فعلا بعض النتائج, في ظل التحديات التي يطرحها النظام العالمي واشتراطات مؤسسات النقد الدولية.
حول المؤشر:
يحسب مؤشر التنمية البشرية استنادا إلى أرقام يقع تجميعها من مصادر مختلفة رسمية وغير رسمية ، وعادة ما تكون مؤشرات تقرير ما معتمدة في حسابها على أرقام يعود تاريخها إلى سنتين خلت مثلا مؤشرات تقرير التنمية، فأرقام تقرير 2017 مثلا هي ارقام 2015
وتتراوح قيمة المؤشر بين 0 و 1 وتعتمد في حسابه ثلاثة أبعاد هي:
أولا: العمر المتوقع عند الولادة أو بعد طول الحياة والصحة, ويقاس بـ25 كحد أدنى و 85 سنة كحد أقصى.
ثانيا: نسبة البالغين الملمّين بالقراءة والكتابة و مجموع نسب الملتحقين بمستويات التعليم المختلفة ويشكلان بعد المعرفة. ويتراوح هذا المؤشر بين صفر و مائة بالمائة.
ثالثا: الناتج الإجمالي المحلي للفرد ويعكس بعد الموارد ومستوى العيش. ويتراوح مؤشره بين 100 و 40000 دولار حسب البلدان.
بشكل عام يخفي المؤشر في وضعه الحالي تفاوتا وتباينا كبيرين بين البلدان لأنه مقياس حسابي بسيط يعتمد الأطراف وغير قادر على تبيان التوزيعات الداخلية للمجموعات إضافة إلى عدم إحاطته بالأبعاد الأخرى. كما أن مفهوم التنمية, وكما سبق وأشرنا, هو مفهوم أوسع وأشمل وغير قابل للقياس في كثير من الأحيان. ومع ذلك سنعتمد في تحليلنا للأوضاع العربية ما هو متوفر بين أيدينا.
أولا: التطور والوضع الحالي
سنعتمد في تحليلنا لتطور مؤشر التنمية البشرية في البلدان العربية العديد من المصادر مثل تقارير التنمية البشرية التي تصدرها الامم المتحدة سنويا.
كما اعتمدنا إضافة إلى التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تقارير التنمية البشرية التي صدر عددها الاول في بداية التسعينات. ويزيد عدد التقارير الصادرة الى حد اليوم عن عشرة تقارير من خلال ما جاء في تقارير التنمية البشرية العربي :
أن الدول العربية تتوزع ضمن ثلاث مجموعات:
– مجموعة أولى ذات مؤشر مرتفع وتضم كلا من البحرين والإمارات بمؤشرات تفوق 0.8
– مجموعة ثانية ذات مؤشر متوسط تضم السعودية وعمان والأردن ولبنان وتونس والجزائر وسوريا ومصر والمغرب بمؤشر يتراوح بين 0.5 و 0.8 . وقد تراجع المؤشر بشكل ملحوظ بعد موجة ما يسمى بالربيع العربي في كل من تونس وسوريا ومصر وليبيا.
– مجموعة المؤشر الضعيف وهي جيبوتي, السودان, اريتريا, اليمن و موريتانيا بمؤشر يقل عن 0.5
أما فيما يخص ترتيب الدول العربية عالميا, فإذا ما استثنينا الدول الخليجية فإن ترتيب الدول الأخرى متأخر جدا حيث تأتي مجموعة الدول ذات المؤشر المتوسط في المراتب بين 70 و 140 بينما يصل ترتيب الدول ذات المؤشر الضعيف إلى ما فوق 150. لكن انهيار هذا المؤشر بلغ مستويات قياسية في العديد من البلدان ، وخاصة تلك التي شهدت أزمات ومنها تونس وسوريا وفقدت بذلك المجموعة المتوسطة اهم دولها. كما نشير هنا إلى غياب المؤشرات لبعض الدول ذات الوضعيات الخاصة مثل فلسطين والصومال والعراق نتيجة الأزمات والحروب التي تعيشها هذه الدول.
إن أهم ما يمكن استخلاصه مما سبق عرضه هو ضعف العديد من المجالات الهامة والتي لها صلة وثيقة بالتنمية واختلاف مستواها بين الدول العربية.
بعد قراءة المؤشرات الرقمية وملاحظة الاختلافات بين مكوناتها في الدول العربية, تتبادر إلى الذهن أسئلة كثيرة منها: هل تعكس هذه المؤشرات واقعا معيشا مماثلا لها؟ أو بالأحرى هل شكلت هذه الأرقام انعكاسا فعليا لطموحات شعوب البلاد العربية في التقدم في ظل خطورة التحديات التي تواجهها البلدان العربية؟ هل قضت بشكل ما على التخلف والفقر والأمية وغيرها من الآفات الاجتماعية؟ هل عززت من المشاركة الشعبية؟ أسئلة كثيرة وكبيرة يمكن طرحها هنا لمعرفة مقدار ونجاعة التنمية البشرية في البلاد العربية؟
هناك إجابة أولى وسريعة عن هذه الأسئلة مجتمعة هي أن أهم ما يميز مسار التنمية البشرية وبرامجها وتطوراتها, هي أنها:
• عرجاء ولا تمتلك القدرة على مواكبة المتغيرات والتطورات الدراماتيكية العاصفة التي تجتاح العالم.
• تعدد الوصفات والنصائح من قبل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، وغيرهما من الشركات العظمى التي تتحكم في الرساميل وحركة الأسواق والإنتاج. وقد ساهمت هذه الأطراف في تزايد عدم الاستقرار في التوجهات السياسية والاقتصادية لأغلب الدول العربية، وكذلك العجز عن تحقيق التوازنات المطلوبة وتعدد الإشكالات التنموية بسبب شح الموارد وضعف القدرة التصديرية والتدهور المستمر في أسعار الصادرات من أسواق المواد الخام ومحدودية الأسواق العالمية وغياب التنسيق الاقتصادي العربي العربي، وغياب القاعدة التكنولوجية والعلمية وتلوث البيئة التنموية العربية.
ثانيا: مظاهر الأزمة
رغم أن أهم نتائج التجارب التنموية في البلدان العربية تتمثل في:
* تحقيق معدلات نمو معقولة مقارنة بالدول النامية عموما.
* وأن معدلات النمو السنوية في مجملها إيجابية.
فإن التجارب التنموية في البلاد العربية لم تؤدي إلى تغيرات جذرية في الهيكل الاقتصادي العربي, حيث أنه باستثناء بعض التحولات الهيكلية المتمثلة في انخفاض نصيب الزراعة في الناتج القومي في الدول كثيفة السكان خاصة, فإننا نلاحظ أن نصيب الصناعات التحويلية مازال ضئيلا. أما السمة الأساسية فهي تزايد أهمية قطاع الخدمات وبالتحديد القطاع العمومي.
من جهة ثانية تكشف, بعض العناصر التي لم يقع التطرق لها في التقارير كالحرية السياسية والاقتصادية وضمان الشفافية ومساهمة المرأة والأمن والحماية من التلوث وعدد المشتركين في الأنترنات وغيرها, محدودية المؤشر في إعطاء صورة واضحة عن مستوى ونجاعة التنمية في البلاد العربية ,وان ما نقرأه لا يعكس الحقيقة وبالتالي هناك أزمة مستعصية وتتطلب مجهودات خيالية للقضاء عليها. ويمكننا سريعا عرض عناصر الأزمة في:
1-اقتصاديا:
• يعيش ثلث الى نصف السكان في المنطقة على اقل من دولارين في اليوم.
• انعدام التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وخاصة في مستوى المنتوج الزراعي, وتكون المسألة ذات خطورة إذا أخذنا بعين الاعتبار تعاظم معدلات النمو السكاني في بعض البلدان وهي تعتبر من أعلى المعدلات في العالم, يرافقها ارتفاع معدلات الاستهلاك العائلي حيث كانت حسب تقديرات البنك الدولي: 21 % في السعودية 9% في ليبيا والجزائر 8,4% في كل من مصر وسوريا و7% في تونس والسودان 6 % في اليمن قبل الحرب. في حين لم تكن الزيادة في الإنتاج بنفس النسق, واختلال ميزان الدفوعات وازدياد عبء الديون الخارجية.
• اختلالات كبيرة في موازين الدفوعات للبلدان العربية وارتفاع الديون التي تجاوزت 900 مليار دولار. والمهم في قضية الديون ليست الأرقام الخرافية لأحجامها بل انعكاساتها السلبية على مجهود التنمية وإفراغها من مضمونها المجتمعي والإنساني عامة.
-2 اجتماعيا:
*إن نسبة البطالة العربية من أعلى النسب في العالم وتبلغ كمعدل 15 % من إجمالي القوة العاملة.
*وتأخذ المسألة بعدا أخطر إذا ما علمنا أنه قد دخل أكثر من 25 مليوناً من الشباب سوق العمل في حدود 2010, وسيدخلها 100 مليون بنهاية 2020. وهناك حاجة لخلق مواطن شغل جديدة لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
* إذا استمرت المعدلات الحالية للبطالة, سيزيد عدد العاطلين في المنطقة عن أربعين مليونا بنهاية 2020
* وقد عبّر 51 في المائة من الشبان العرب الأكبر سناً عن رغبتهم في الهجرة إلى بلدان أخرى, وفقاً لتقرير التنمية البشرية العربية للعام 2010, وأن الهدف المفضل لديهم هو البلدان الأوروبية. وتعكس هذه الإحصائيات وقوف المنطقة عند مفترق طرق.
-3 “ثقافيا:
* وفي مقدمته داء الأمية الذي عاد إلى المجتمعات العربية من جديد بعد أن كان الأمل خلال العقدين الماضيين كبيراً في القضاء على الأمية. فعدد الأميين العرب حاليا هو في حدود 70 مليوناً ثلثاهم من النساء. وأكبر نسبة من الأميين اليوم هي في البلدان التي تشهد اضطرابات مثل العراق والسودان والصومال وسوريا وليبيا…
وقد انعكس أثر الأمية على كافة مناحي الحياة سيما الجانب الاقتصادي إذ تشهد معدلات إنتاجية العمل العربي اليوم أدنى مستويات الإنتاج من حيث النوع والكم في البلدان التي تتفشى بها الأمية بشكل ملفت.
كما تشير الإحصائيات أنه في إمكان 6,1 % في المائة فقط من السكان استخدام الانترنت, وهو رقم اقل مما هو عليه في أي منطقة أخرى في العالم, بما في ذلك بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ورغم أن العديد من الدراسات الإستراتيجية تشير إلى أن الوطن العربي يمتلك المقومات الجغرافية , البشرية والاقتصادية التي تؤهله للانطلاق نحو عالم القوى الكبرى, فإن الواقع المعيش يعكس بجدية تواضع الأداء الاقتصادي للدول العربية وتراجعه في السنوات الأخيرة وإذا استمرت الاتجاهات الراهنة ومع ازدياد ضغط زيادة السكان وارتفاع نسب البطالة في عدد من الدول العربية فإن الوضع ينذر بالخطر.
في وضع كهذا تواجه البلدان العربية تحدياً خطيراً. فالعالم العربي مراقب ومهدد في نفس الوقت، يعيش مرحلة من التناحر والتآكل والتهميش فاقداً لآية إستراتيجية اقتصادية سياسية دينامية للدفاع أو للهجوم. وتستمرعمليات الضغط والإضعاف التي تستهدفه من اجل زعزعة استقراره وتعطيل مؤهلاته حتى لا يبقى أمامه سوى الاندماج السلبي في النظام الجديد.
كانت هذه لمحة موجزة عن الإطار الاقتصادي والاجتماعي ومظاهر الأزمة التي تميز الوضع في البلدان العربية, وهو ما سيمكننا من فهم ما سيلي من أفكار حول موضوعنا الرئيسي حول مشكلات التنمية في ظل هذا النظام العالمي والتي يمكن تلخيصها في:
ثالثا: التحديات:
لكن قبل الدخول في مناقشة كيفية التصدي لهذه الصعوبات وإيجاد حلول لها, فإننا سنعرض للتحديات التي تواجه البلاد العربية, وهي على نوعين:
-1 تحديات داخلية تتمثل أساسا في:
* الاتجاه المعتمد في معالجة موضوعة التنمية قطرياً.
* غياب البحث العلمي والصناعي وتوظيف القدرات المالية في استيراد التكنولوجيا. يرافقه ضعف في حجم الإنفاق على البحث والتطوير.
ويضاف إلى ذلك غياب منظومة عربية لنقل المعرفة واستغلالها في التنمية والتطوير التقني. وانخفاض عدد الباحثين بالمقارنة مع البلدان المتقدمة ومع المعدل العالمي وضعف البنية المؤسسية العلمية وكذلك ضعف مردودية الباحث العربي.
فعدد العاملين في مؤسسات البحث العربية لا يتجاوز الثلاثين ألف عالما وإذا أضفنا إليهم عدد الباحثين الجامعيين والمقدرعددهم بحولي عشرة بالمائة من عدد العاملين في سلك التعليم العالي يصبح العدد في حدود التسعين ألفا أو يزيد قليلا، اعتمادا على أرقام العرية الاولى من الألفية الثالثة، وهو ما يعطي نسبة 2.8 بالمائة باحثا لكل عشرة آلاف من اليد العاملة. وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالولايات المتحدة 66 %واليابان 58 % وبريطانيا 36 %
من جهة ثانية وعلى الرغم من المحاولات الجادة للنهوض بمؤسسات البحث العلمي العربية, فإن هذه الأخيرة لا تزال تواجه العديد من المشاكل التي تعوق انطلاقها مثل غياب سياسة علمية واضحة ومتسقة. فالنهوض بالبحث العلمي لا يتوقف فقط على الاستثمارات بل يتجاوزه إلى الإجابة على السؤال المتعلق بأي علم وبمن ولمن. وليس تجنيا إن قلنا أن الوسط البحثي والعلمي العربي يسوده جو من التخبط والتردد والافتقار للتراكم. هذا إضافة إلى عزلة المجتمع العلمي والتقني أحيانا كثيرة عن النشاط الوطني وضعف مراكز المعلومات والتوثيق وعدم توفر المناخ الملائم للبحث العلمي وانتشار البيروقراطية القاتلة وقلة الحوافز والتبعية العلمية للخارج.
هذا الضعف في البنية العلمية كان من نتائجه نقص كبير في الإنتاج العلمي من حيث الكمية والنوعية معا: فمتوسط إنتاج العلماء العرب هو في حدود 0.4 بحث في العام وهو معدل لا يزيد عن 1 بالمائة من الناتج الإسرائيلي فما بالك بالدول المتقدمة. وإذا استخدمنا المقاييس الدولية، وهي ما بين 4000 و 8000 بحث في السنة, فإن الباحثين العرب لم يقدموا سوى 850 بحث سنويا في الفترة ما بين 1990 و 2010. والوضع لا يستحق التعليق؟
* ضعف المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وغياب حقوق الإنسان.
* غياب العلاقات الاقتصادية العربية-العربية وغياب الجهود لتعزيز التعاون المطلوب.
وبشكل عام يمكن القول أن ردود الفعل العربية على التحديات تميزت بالإخفاق في إدراك حجم التحولات العالمية وعم الشعور بضرورة الإسراع في تهيئة الهياكل المختلفة للمرحلة الجديدة. ولا يعني ذلك أن البلدان العربية بقيت بعيدة عن التحولات الجارية في العالم, حتى أن البعض كان سباقا للانفتاح الاقتصادي والثقافي على الخارج وبدون ضوابط, لكن مسيرة الإصلاح المعتمدة كانت في اغلب الأحيان مليئة بالتعثر والتخبط ولم تحقق النتائج المرجوة منها. كما أن جميع المحاولات العربية الرامية إلى خلق تكتلات اقتصادية شاملة أو جهوية مثل مجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي…باءت بالفشل.
ولا ننسى هنا الحروب والأزمات المتعددة والمعقدة في فلسطين, العراق, لبنان, الصومال, والقائمة تطول. وزادها تعفّنا موجة الربيع العربي سيئ الذكر.
2- أما التحديات الخارجية فتتمثل في:
*النظام العالمي واشتراطات مؤسسات النقد الدولية الذي هو في الحقيقة استمرار للنظام الاستعماري القديم, وتعبير حديث عن الرؤية والممارسة الإمبريالية وفي إطار المرجعية الواحدة.
*التدخلات الخارجية وما أنتجته من أزمات مستعصية وحروب في العراق والسودان والصومال وسوريا وليبيا…
*عودة القوى المهيمنة مجدداً بشكل احتلال مباشر في فلسطين والعراق والصومال وليبيا، إضافة إلى سيطرتها على القرار في بعض الدول تحت مسميات عديد مثل الصداقة والشراكة ووحدة النضال ضد الإرهاب وغيرها مما يخدم أهدافها الاستراتيجية.
وهنا نستذكر ما قاله شكسبير: “بأن الشيطان أحياناً عندما يريد تحقيق أهدافه يستند إلى الكتاب المقدس”.
وقد استمرت محاصرة العديدة من البلدان العربية ولسنوات طويلة: العراق, فلسطين, السودان وسوريا وليبيا وغيرها…
وتضييق الخناق عليها. كما أن التوجهات الإصلاحية في بعض البلدان اتصفت بالجزئية والانفراد بالرأي واتخذت اتجاها معاكسا للتوجه العام حيث ركزت على الأمن الوطني بدل الأمن الإقليمي, وكانت النتيجة أن البلدان العربية فشلت في تحقيق التنمية والأمن الوطني والاستقرار السياسي.
ولا ننسى هنا التحدي الأكبر هو خسارة العرب أو قل هم في طريقهم لخسارة معركة ما سمي بالسلام مع إسرائيل مثلما خسروا معركة المواجهة العسكرية بسبب عجزهم عن توحيد جهودهم وخوفهم من أن يؤدي تمسكهم بحقوقهم إلى إضعاف الحماية الأجنبية الضامنة لوجود بعضهم وبقائهم في مواجهة الرأي العام والشعوب في بلدانهم.
ما هي الحلول?
إذاً فتحرير الوطن بالشكل الكامل والتام ينطلق أولاً وأخيراً من اعتماد ركن التنمية، فبواسطتها تبنى عوامل القوة المالية والعسكرية وتؤمن الضرورات للمواطنين وترفع من مستواهم المعيشي، وهي رافد أساسي لكل تطور في مجالات التربية والتعليم وفي البحث العلمي المتجدد دائماً، وهذه العناصر إضافة إلى عوامل أخرى تستفيد وبشكل مباشر من فوائض الأموال لكنها وفي ذات الوقت تدفع بالتنمية قدماً، فالفرد الممتلك لجوانب المعرفة والعلوم يُعد الثروة الأولى والدافع القوي لها.
والتنمية على أهميتها لا توجد تعقيدات في مكوناتها البسيطة المبسطة وإنما الجهد ينصب على رسم وتحديد أفضلياتها واستثمار القدرات بجميع تفرعاتها بأقصى طاقة وفق المنهج المحدد والمرسوم.
في هذا الإطار يكون ضروريا قيام تكتلات اقتصادية إقليمية تسعى إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي وإنشاء كتلة اقتصادية إن توفر لها مؤمنون عاملون من أجلها فستكون من أقوى الكتل لأن مصادر ثرواتها وتنوعها كبيرة وواسعة. وهي نقطة بدونها يصبح العمل التنموي القطري لا قيمة له في هذا العصر.
فالنظام العالمي الجديد كما نبه إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي هو:
” نظام يمكن الأقوياء من فرض الديكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية السوق”.
كما أن ضرورة التوفيق بين الإرادة الواعية والعقلانية وبين الواقع التاريخي ليست مسألة حسابية ،بل هي مرتبطة بالمصالح والمواقع التي تحدد مواقف المجموعات الاجتماعية داخل الجماعة الوطنية. وما نستطيع أن نحققه كجماعة ليس حاصل الجمع البسيط لمواردنا المادية والطبيعية والبشرية بل هو في الحقيقة حاصل الجمع المركب لقدرتنا على استغلال هذه الموارد وتنظيم قدراتنا وقوانا وتعظيم فعاليتنا.
من جهة أخرى لابد لنا من الابتعاد عن رمي المسؤولية في استمرار التأخر أو سوء الأداء الاقتصادي والاجتماعي على الثقافة أو الإرث الماضي أو نفسية الجمهور العربي أو اعتقاداته الغيبية, كما تعود البعض أن يفعل, وهذا لعمري جزء من التهرب من المسؤولية أو تغطية على المسؤوليات الحقيقة وهو بالتالي عنصر معيق للعملية التنموية.