انفردت تونس بإصدار مجلة حماية الطفل سنة 1995 في العالم العربي والإسلامي، بعد أن صادقت عام 1991 على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وقد مكّنها ذلك من إجراء تعديلات وتنقيحات على تشريعات قانونية لها صلة بحقوق الطفل مثل “الأحوال الشخصية” و”الإجراءات الجزائية” وغيرهما.
كما صادقت تونس على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بحماية الطفولة.وينص الدستور التونسي في الفصل 47 منه على أنّ “حقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم، على الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل”.
كما ذكرنا سابقا تعددت التشريعات والقوانين التي تضمن حقوق الطفل في تونس وتحميه ، لكن كل ذلك بقي حبر على ورق ولم نر منه اثرا على ارض الواقع ،حيث تعددت الجرائم والانتهاكات ضد الطفل .
فالمعاناة كانت موجودة من قبل ، لكن السلطة السابقة لم تكن تسمح بكشف فضائح كثيرة وجرائم متعددة إلى العلن للمحافظة على صورة تونس ،وكانت الجرائم المرتكبة في حق الأطفال متنوعة سواء اجتماعيا او نفسيا او اقتصاديا او تعليميا.فبالعودة إلى اخر الارقام الرسمية الصادرة عن وزارة المرأة فقد بلغ عدد الاشعارات حول الاطفال المهددين خلال 2019 على مستوى 24 ولاية، 17506 اشعارا، مسجلا تطورا بما يقارب الضعف خلال الـ 10سنوات الاخيرة، أي منذ سنة 2009، حيث كان عدد الاشعارات حينها يبلغ 8272.
وبلغ المعدّل اليومي من الاشعارات التي يتعامل معها مندوبو حماية الطفولة سنة 2019 ، تقريبا 67.33% أي ما يعادل 336 إشعارا في الاسبوع.وتعتبر وضعيات التهديد الاكثر اهمية من حيث عدد الاشعارات “التقصير البين في الرعاية والتربية” .
ويبلغ عدد الحالات 4740 اي بنسبة 27.08 بالمائة يليه “اعتماد سوء معاملة الطفل”بـ 3912 حالة اشعار أي بنسبة 22.39 بالمائة.ثم يأتي “عجز الابوين أو من يسهر على رعاية الطفل والاحاطة به ورعايته” في المرتبة الثالثة، حيث بلغ عدد الاشعارات في هذا الصنف من التهديد 3912 اشعارا أي بنسبة22.354 بالمائة.ويليها في المرتبة الرابعة “تعريض الطفل للإهمال والتشرد” بـ1730اشعارا اي بنسبة 9.88 بالمائة.
وحملت المرتبة الخامسة اشعارات حول “استغلال الطفل جنسيا”بـ 1234 اشعارا اي بنسبة7.05بالمائة، وفقدان السند العائلي في المرتبة السادسة بـ 1138 اشعارا اي بنسبة6.5 بالمائة.اما الإشعارات حول”تعريض الطفل للتسول واستغاله اقتصاديا”جاءت في المرتبة السابعة بـ578 اشعارا اي بنسبة3.3 بالمائة.
ولا ننسى الجرائم الاخرى المتكررة من اغتصاب ،و تحرّش التي أصبحت كابوسا يطارد عائلات الأطفال والمنتشرة بكثرة حتى في المدارس والمؤسسات التربوية إذ لا ننسى حادثة التحرش في حق الـ20 تلميذا في صفاقس الحاصلة العام الفارط والتي تورط فيها معلم، تمّ ارتكاب عدد منها داخل حرم المدرسة بالإضافة الى المنزل الخاص بالمتهم نظرا لتقديم دروس تدارك في منزله و هي قضية هزّت الرأي العام نظرا لكونها نموذجا لجرائم التحرش بالأطفال ، وقد أفاد حينها يوم 14 مارس 2019 الناطق الرسمي باسم محاكم صفاقس، مراد التركي بخصوص العقوبات في جرائم التحرش والاعتداء الجنسي المسلط على الأطفال أنه بالنسبة لجريمة التحرش الجنسي بطفل من له سلطة عليه في استغلال نفوذ وظيفي تصل العقوبة إلى السجن لسنتين وخطية مالية ب5000 دينار.
وبالنسبة لجريمة الاعتداء بفعل فاحشة على طفل من له سلطة عليه في استغلال نفوذ تكون العقوبة 12 سنة سجنا، واذا ثبت وجود اغتصاب جنسي لأطفال فإن العقوبة المقررة هي عشرون سنة سجنا، موضحا أنه وحسب تنقيح 2017 تم إلغاء حكم الإعدام في جرائم الاغتصاب وينص الفصل 227 من المجلة الجزائية على عقوبة سجنية بقية العمر.كل تلك الجرائم المرتكبة في حق الاطفال الابرياء مازالت متواصلة .
نجد اليوم انفسنا امام طفولة تغتال بطريقة بشعة فالطفلة »فرح « رحمها الله لم تكن اسم على مسمى فقد عاشت الفقر ولم تعش طفولتها البريئة مثلها مثل بقية الاطفال في عمرها .
وكانت نهاية حياتها مأساوية إذ سقطت في بالوعة صرف صحي ترك مفتوحا بسبب الاستهتار واللامبالاة بحياة الناس ، فقد ترك موت فرح الما شديدا وكبيرا في قلب ام احترقت لوعة من فراق ابنتها التي كانت تساعدها في جمع القوارير البلاستيكية لضمان القوت اليومي للخروج من حالة الفقر والتهميش .
نحن في وطن كل يوم يموت فيه طفل بطريقة بشعة ، وإن لم يمت فهو يعاني من الانتهاكات والتعدي على حقوقه . المسؤولون يتفصّون من الكوارث الاجتماعية ، ويفلتون من العقاب ، الطفولة في تونس مغتالة على الطريقة الجاهلية من خلال الجرائم المرتكبة في حقها دون رادع .