بقلم : د . الهادي غابري
رئيس التحرير
استدعاني حقوقي كي أتأمّل كرسيّ السّلطة الهزّاز بإحدى القصور التاريخية الفاخرة بتونس، ــ وهناك ــ خاطبت كرسيّ السّلطة المخمليّ الوثير: أيّها الكرسيّ لماذا يتساقط عليك المتهافتون ؟ أجاب في ضيق : لأنّي كرسيّ هزّاز، فالجلوس عليّ وثير مريح، المتهافت منهم يلامسني ليلتصق بي، ولا يغادرني إلا مقتولا، أو سجينا، أو منفيا ملاحقا.
سألت : ولماذا تكون نهاية من احتضنتهم بحنانك هكذا ؟ أجاب بانزعاج : لم احتضن منهم أحدا ، بل اغتصبوني ، وجلسوا عليّ عنوة … وقد ساعدهم في الجلوس غرباء وراء البحار … استغربت : وهل يسكت مُغتصَب ؟ صاح ثائرا : صرختُ ، وانتفضتُ تحت مغتصبي ، كان وزنه ثقيلا .
وصرختُ : هل من منقذ ؟ … المنقذون الوطنيون المخلصون هبّوا لنجدتي طوعا ، لكن المغتصب كان فرعونا طاغية : هشّم الرّؤوس ، بتر الأصابع ، قلع الأسنان والأظافر ، نتف الشّعر ، قطع الألسن ، قطع الأرزاق ، شرّد العائلات ، زجّ بالمخلصين في أقبية دواميس الملح المظلمة ، وفي أبراج مسيّجة بأسلاك الكهرباء ، هتك الحرمات .
تساءلت ُ: كم مكث عليك جاثما هذا الأرعن ؟ أجاب : لا أذكر ففي المرة الأولى هي ثلاثون سنه تقريبا … وفي المرة الثانية هي اربع وعشرون سنة تقريبا ، ثمّ أضاف : ــ وفي الواقع ــ لعبة الكرسي الهزّاز ــ في أمصار العربان الأخرى ـــ أغرت المغتصب ، فمكث عليها مدّة أربعين سنة أو أكثر … قلت : هل طلبت من الجاثم عليك في هيئة جلوس أن يغادرك ، ولو مرّة واحدة ؟ أجاب : لقد طلبت ذلك ، ولكنّه كان يتمسّك بي أكثر، و كثّف من… العيون… والبصّاصين … وأجهزة العسس العلنية ، والخفية بأزيائها المرعبة : عسس … يتلصّصون على الخلق الحالمين بخلاصي .
وتساءلتُ مستغربا : وما شكل العسس ؟ أجاب : هم مخلوقات غريبة … عجيبة … يمتازون بعيون ثمانية جاحظات ، متلوّنات لامعات ، مغروزات في جمجمته : اثنتان في الجبين ، واثنتان في القفا ، واثنتان في اليسار، واثنتان في اليمين ، ويوازيها ثمانية آذان طويلة مجهـّـزة بقرون استشعار عن بعد . فقلت : وما هي أفعالهم ؟ قال : هم يتهامسون ، يتواصلون رمزا ، يتغامزون ، يفحشون في الكلام ، يقتحمون البيوت ، ينهبون ، يغتصبون الجدران .
سألته : هل مازالت أشباحهم قائمة في بلدان العربان بعد هذا الربيع العربي … ؟ ابتسم ساخرا ، وردّ : أشباح المغتصبين لكراسي السلطة الهزّازة ــ في تلك البلدان ــ متلوّنة كالحرباء ، تستنبط سبلا غريبة بهدف التّمكّن من الالتصاق جيّدا بكرسي السلطة الهزّاز خشية هبّة شعبية مباغتة تهوي بالكرسي الهزّاز، فتقلبه على رأس من ركبه سنوات ، وهو يحلم بأبديّة اهتزاز الكرسي .