بقلم سناء غابري
صحفية تونسية
قرّر مكتب مجلس نواب الشعب التونسي تأجيل النظر في مشروع القانون المتعلّق بحماية قوات الأمن الداخلي والديوانة في صيغته المعدلة، ومشروع تعديل قانون حالة الطوارئ وذلك بعد ورود طلب من الحكومة على رئاسة البرلمان، بالتأجيل من أجل مزيد تعميق النظر فيهما.
ولعل هذا القرار قد تم اتخاذه بعد الاحتجاجات التي شهدتها الساحة الوطنية الأسبوع الفارط ، مع تعدد التنديدات والشعارات امام مجلس نواب الشعب . وذلك مع انطلاق مناقشة البرلمان لقانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة الذي كثر الجدال حوله بسبب تخوف العديد من المنظمات الحقوقية ، والأحزاب من تمرير هذا القانون الذي اعتبروه قانونا يكرّس لثقافة الإفلات من العقاب بالنسبة إلى قوات الأمن في ظل تعدد الاعتداءات على المواطنين والصحفيين .
فهذا المشروع تم عرضه على البرلمان أول مرة سنة 2015 ، ورفضته المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني معتبرة اياه حصانة لقوات الأمن ، وتمكينهم من الإفلات من العقاب ،وهو ما يجعل عملية تعامل المواطنين مع قوات الأمن صعبة ، وما من ِشأنه ان يخنق حقوق وحريات الناس، ويمس ّمن حرية التعبير والتظاهر ما يستوجب بالضرورة إسقاطه.
وقد صادقت لجنة التشريع العام في 24 جوان 2020 على هذا المشروع والذي يتضمن 15 فصلا، ليعود اليوم البرلمان لمناقشته لكن ذلك خلق جدالا جديدا حينها فتحركت العديد من النقابات والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية ، ودعت رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى ممارسة حق النقض طبقا للفصل 81 من الدستور بخصوص عدد من المبادرات التشريعية المعروضة على البرلمان للنظر فيها والتي اعتبرتها تمثل تهديدات ومخاطر، مشيرة إلى أن رئيس البلاد يمكنه القيام برد مشروع القانون مع التعليل إلى البرلمان.
وعبرت هذه المنظمات (النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ومراسلون بلا حدود ومنظمة العفو الدولية – فرع تونس- والنقابة العامة للإعلام والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) في رسالة مفتوحة وجهتها إلى الرئيس عن ’’عميق انشغالها إزاء هذه المبادرات التشريعية والمتضمنة للعديد من الأحكام القانونية التي من شأنها ضرب المسار الديمقراطي .
حيث عبرت نقابة الصحفيين التونسيين عن رفضها لهذا القانون و ”استنكرت عمليات التحريض والتهديد التي يمارسها بعض الأمنيين على شبكات التواصل الاجتماعي في حق كلّ صحفي ينتقد الأداء الأمني وذلك تزامنا مع استعداد مجلس نواب الشعب لمناقشة المشروع “ وأكّدت نقابة الصحفيّين أنّ بعض الأمنيين قاموا باستهداف الصحفيين مستعملين تعليقات تحريض ، وتهديد على حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي على خلفية انتقادهم للعمل الأمني وتنظيمهم حملة ضدّ تمرير “مشروع قانون أساسي يتعلّق بحماية قوّات الأمن الدّاخلي والديوانة” واخبارهم عن بعض الانتهاكات المسجلة في الفترة الأخيرة لحقوق بعض المواطنين.
وعبّرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين عن تضامنها المطلق مع الصحفيين ضحايا حملات التحريض والتشويه لما لها من آثار نفسية واجتماعية عليهم، وحذّرت من صمت وزارة الداخلية المتواصل على الحملات التي يقوم بها أمنيون في حق صحفيين ونشطاء مجتمع مدني.
وحذرت النقابة في بيان لها من خطورة الحصانة التي يقدّمها مشروع القانون الأساسي المتعلّق بحماية قوّات الأمن الدّاخلي والديوانة في ظل تواصل التجاوزات الأمنية في حق الصحفيين والمواطنين . وتدعو كافة منظمات المجتمع المدني إلى الوقوف جميعا في وجه محاولة منح الحصانة للأمنيين أمام القانون إزاء ما يمارسونه من اعتداءات.
من جهتها عبرت منظمة انا يقظ عن رفضها لتمرير هذا القانون معتبرة اياه “نسخة مُشوّهة من أحكام موجودة في القوانين التونسية على غرار المجلة الجزائية في قسمها المتعلق بهضم جانب الموظفين العموميين وأشباههم ومقاومتهم بالعنف” ومن قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال في قسمه “المتعلق بآليات الحماية”.
واعتبرت المنظمة، في ذات البيان، أن “للقوات الحاملة للسلاح ترسانة قانونية كافية تضمن لهم لا فقط الحماية الميدانية بل أيضًا التغطية الاجتماعية عند تعرضهم لأي طارئ أثناء أدائهم لمهامهم المضمنة خصوصًا في القانون المتعلق بضبط نظام خاص للتعويض عن الأضرار الناتجة لأعوان قوات الأمن الداخلي عن حوادث الشغل والأمراض المهنية”.
وقالت “أنا يقظ” انها لا ترى داعيًا لفرز الموظف العمومي الحامل للسلاح عن غيره من موظفي الدولة بقانون خاص لهذا القطاع “بل إنه من الأجدر أن تسهر الدولة على تطبيق النصوص المتواجدة التي تكفل له الحماية الناجعة”.
أيضا من جانبها عبرت الهيئة الوطنية للمحامين عن رفضها وذلك بيان لها عبر فيه مجلس الهيئة عن رفضه لهذا المشروع لما له من اثار سلبية تهدد “الحريات الفردية و العامة ” و اعتبر ان مشروع القانون المعروض على مجلس نواب الشعب “يمس من مبدا المساوات” الذي اقره الدستور التونسي و من الحقوق الأساسية الكونية التي اقرتها المعاهدات الدولية ، و اكد بيان الهيئة ان المشروع المعروض :”يمثل خطرا على مكتسبات الشعب التونسي في حرية التعبير و حرية الاعلام و الصحافة ” و من شانه ان يشرع للإفلات من العقاب و ان يعيد نظام القمع .
فجّر مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح جدالا واسعا وهي ليست المرة الاولى حول هذا المشروع ، وفي كل مرة لا يتم الفصل فيه بطريقة جذرية لتلجأ الجهات المسؤولة إلى حلول التهدئة والترقيع ، وذلك بالتأجيل في النظر فيه ، وهو ما يعني ان الجدال والخلافات ستتكرر لذلك يجب اتخاذ قرار حاسم وواضح في هذا المشروع وإزالة الغموض حول مصيره .