فقهاء الزّور في تونس … أين حقوق المرأة …؟؟؟

،

سناء الغابري

بقلم : سناء غابري

صحفية تونسية

بالغ   الاعلام  التونسي  في التّرويج  لحصول المرأة التونسية  على مكاسب قانونية ــ  بعد الاستقلال سنة 1956  ــ من خلال إنشاء مجلة الاحوال الشخصية التي حفظت حقوق المرأة  ، ومنعت تعدّد الزوجات ــ وهي قوانين تقدمية مقارنة  بغيرها من  القوانين في بلدان عربية وإسلامية  ، يحظى فيها الذّكر بمكانة أفضل من الأنثى ، بل  له مرتبة أعلى .

وقّعت تونس على اتفاقيات دولية تتعلق بالقضاء على أشكال التمييز ضد النساء، فنالت المرأة حظّها من التعليم والصحة  ، وفرص العمل ، وساهمت في الحياة السياسية بانخراطها في الأحزاب والجمعيات  .

خطوات هامة وثورية أعلت من شأن المرأة التونسية ، لكن العقلية الذكورية ما تزال كامنة في المجتمع التونسي ، وهي تحطّ من قيمة المرأة ، ولذلك  ما تزال كائنا بشريا ضعيفا  ضحية للعنف الجسدي ، واللفظي  والاستغلال في بعض مواطن الشغل الهشّة  ، وكذلك في  السّلّم الوظيفي بسلك الوظيفة العمومية ، إذ  ما يزال الرجل مهيمنا على المراكز الوظيفية الهامة ، وإذا  علت إحداهنّ  مركزا ، فذلك من باب المحاصصة والتّباهي بأن في تونس حريات نسائية  ، لا مثيل لها في البلدان العربية  ، وأحيانا يزاود التونسيون على حريات الغرب النسائية بأنّ تونس أفضل من تلك البلدان في رعاية وحماية وتطوير حقوق المرأة  .

يرى المراقبون أنّ ضجّة حرية المرأة في تونس مفتعلة في حالات كثيرة ، يقع توظيفها لغايات سياسية  وكسب رهانات ومنافع شخصية من الغرب ، ينتهي مفعولها بانتهاء الراهن السياسي في الغرب أو في تونس ، وعلى هذا الأساس أصبحت المرأة في تونس سلعة للمتاجرة  يغنم منها البعض منافع .

 ودفاعا عن المرأة نصف المجتمع ، نشطت جمعيات ومنظمات هدفها حماية  المضطهدات   ومنها : ” جمعية صوت المرأة” و”جمعية مساواة وتناصف” و” مركز الانصات والتوجيه والاستماع للنساء ضحايا العنف” وأمّنت منظّمة “بيتي” ملاذا لإيواء نسوة ضحايا العنف .

 وسعت جمعيات نسائية الى دمج المرأة في المجتمع  المدني لحمايتها  من التهميش ، وتشجيعها  على  المشاركة في ورش عمل  كي تكسب مهارات ،  وأردفتها بتدريبات أخرى عملية مفيدة من شأنها مواجهة الأزمات وعثرات الحياة ، ونهضت  بهذا المجهود جمعيات : “أصوات نساء” و”تونسيات” و”رابطة الناخبات التونسيات” و ” الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” ، وعملت تلك الجمعيات على زرع مسالك القانون بين النساء  ، وتبسيطه كي يدافعن عن حقوقهن .

ومقابل ذلك علت أصوات الرجال في تونس تطالب بحماية الرجل من تسلّط النّساء ، وذلك بعد  أن تعدّدت دعاوى قضائية رفعها الرّجال ضد زوجاتهم بتهم العنف الشديد الموجّه إليهم من تلك  الزّوجات  ، الرجال في تونس  ضحايا العنف الأنثوي احتضنتهم بعض المآوي  بعد طردهم من محلّ الزّوجية ، وخضعوا إلى جلسات طبية نفسية .

 تصاعدت ظاهرة العنف المتبادل بين النساء والرجال في تونس ، وانعكست سلبا على الأطفال ، فأحجم الرجال والنساء عن الزواج ،أدّى ذلك  إلى الزواج  بالمعاشرة خارج القانون والشّرع ،  ودبّ على الأرض مواليد ثمرة ذلك الزّواج  ، نتجت عنه مشكلة متمثّلة في نسبة تلك المخلوقات الآدمية البريئة  ، ولحمايتها  أنشأت لها  الدولة محاضن  ، قد لا تتّسع لإيواء مجهولي النّسب .

  ويضاف إلى ذلك تخوّف الرجال من القانون الذي يحمي المرأة  أكثر من الرجل ،ولذلك استشرت ظاهرة العنوسة،والعزوبية في ظلّ تفشّي البطالة والفقر والتّهميش بين فئات عمرية هي  في سنّ الزّواج ، وتفاقمت في الآن نفسه ظاهرة الطّلاق ، وتحتلّ تونس المرتبة الأولى في هذا المجال مقارنة بغيرها من البلدان  العربية ، وأمسى المثل  الشّعبي شائعا بين التونسيين بالقول :  في الصيف قاعة الأفراح ، وفي الشتاء قاعة المحكمة .

 بعد  هلاك نسوة ضحايا  حوادث الشغل والمرور في الأرياف خلال عملهنّ  الفلاحي  كثّفت جمعيات نسائية  : “المركز التونسي المتوسطي” (TU-MED) وجمعية “النساء والقيادة” (Femmes & Leadership)، جهودها لتبديد الصّعاب  وذلك بتأمين وظائف ، أو بمنح فروض صغيرة لتأسيس شركات من شأنها توفير لقمة عيش كريمة لتلك النّسوة بالأرياف طردا لشبح الفقر والجوع  .

رغم الجهود الحميدة المبذولة من قبل تلك الجمعيات والمنظّمات ، فإنّ الانقسامات ، والاختلافات الايديولوجية ، والفكرية  تظلّ عائقا يقلّل من فعالية المشاريع والبرامج  المزمع انجازها من قبل كلّ جمعية أو منظّمة ،  وينتج عن ذلك  التّلاسن ، و تبادل التّهم  فيما بينها عوض التعاون  للنهوض بالمرأة .

ظاهرة كيل التّهم والتّناحر بين الجمعيات ، والمنظمات النسائية هي نسخة طبق الأصل لما يجول في الأوساط السياسية التونسية ،  فالبعض يتّهم  الآخر بخدمة أغراض  شخصية ، وجهات أجنبية بهدف الكسب المادي من خلال المتاجرة بأوجاع النّساء المكلومات .

 وإذا كان الأمر كذلك فإنّ شعار حقوق المرأة في تونس هو رهان سياسي ، بموجبه يرتقي المتاجرون ، وتبقى المرأة مطيّة أشباه السّاسة لكسب صوتها في الانتخابات مقابل تقديم  وعود زائفة لفائدتها ، وقد يصعّد  أشباه السّاسة في نبرة الخطاب الثوري،  ويجعلون من المرأة محورا للتّحرير،  فيستنبطون شعارات ، ويعرضون خططا ، ويعدون   بتحقيق مكاسب  نسائية  مستقبلية خارقة ، وهكذا تستمرّ شعارات حقوق المرأة في تونس  خطبا جوفاء ، ولكن المرأة واعية ولا تثق في فقهاء أو سفهاء  الزّور : رجعيون أو تقدّميون ، الكلّ يتكسّبون من دمها وعرقها .  

اترك تعليقاً