مالك التريكي
كاتب تونسي
ولكن الفارق هائل بين جيل يقرأ وجيل لا يقرأ، وبين حاكم شغوف بالتاريخ وآخر مدمن على ألعاب الفيديو. فقد «نشأ عبد الناصر في ظروف توقظ الوعي الاجتماعي والسياسي مبكرا» كما روى محمد حسنين هيكل في حوار مع الصحافي محمود المراغي في أواخر أيلول/سبتمبر 1995 بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الزعيم المصري: «نشأ عبد الناصر فقيرا، فلم يهرب من الفقر. ماتت أمه وهو في الثامنة من العمر، فتألم كثيرا. التحق بالعمل العام من خلال القراءة أوّلا، فتحسّس مجتمعه الفقير بالتجربة، وتحسس مجتمع العالم واستكشفه من خلال القراءة.» ويضيف هيكل أن الصحافي السويسري جورج فوشيه، الذي نشر عام 1959 كتابا ذاع صيته بعنوان «عبد الناصر وفريقه» قد وثّق عناوين الكتب التي قرأها عبد الناصر أيام الشباب، حيث تقصّى فوشيه الأمر في كل من دار الكتب المصرية ومكتبة الكلية الحربية، فتبين له أن عبد الناصر استعار من دار الكتب مؤلفات في الأدب (مثل العبرات للمنفلوطي) واستعار من مكتبة الكلية كتبا في التاريخ. وحين كان يستعد لكتابة ما يعادل رسالة الماجستير في الكليات العسكرية (وقد كان موضوع رسالته عن الدفاع عن مصر كما تصوره ألّنبي في الحرب الأولى) حاول استكشاف النظريات المتعلقة بالدفاع عن مصر ابتداء من الإسكندر الأكبر إلى يوليوس قيصر، فالفتح العربي فالحروب الصليبية والدولة العثمانية. وقد بلغت كتب التاريخ التي استعارها 51 كتابا.
أما الأستاذ توم ليتل فقد كتب في عدد خريف 1960 من الفصلية الأكاديمية البريطانية «شؤون دولية» أن أبرز ما يلفت الانتباه في كتاب فوشيه هو التركيز على شدة اهتمام عبد الناصر بالتاريخ، وخصوصا بالسير والتراجم، حيث يقول إن فوشي «يعرض بكل عناية قائمة الكتب التي قرأها عبد الناصر منذ زمن الشباب حتى قبيل انقلاب 1952، كاشفا بذلك شغفه بسير الزعماء والعظماء». وقد كان ضمن الكتب التي قرأها، بينما كان طالبا في الكلية الحربية، كتاب روبرت غريفز عن سيرة لورنس العرب، وكتاب تشرشل «حرب النهر» عن حملة الجيش البريطاني ضد الثورة المهدية في السودان، وكتاب جون بيوكان عن «الجنرال غوردون في الخرطوم» وكتاب ليدل هارت عن سيرة الجنرال الفرنسي فردينان فوش القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وكتاب أميل لودفيغ عن سيرة نابليون. والذي يبدو من قراءاته أن أكثر الزعماء إثارة لاهتمامه هم الإسكندر، ونابليون، وبيسمارك وأتاتورك.