بقلم : د . فوزية سعيد
أكاديمية فلسطينية / كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ــ تونس
تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر التّطبيع بين الكيان الصّهيوني وبين بضع دول عربية ، وكأنّ الخبر سبق صحفي ، والحال أن الخبر قديم جدّا ، لأن التّطبيع قد تمّ علنا بين كبرى الدول العربية :وهي مصر، أُطلق عليها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بتاريخ 26 مارس 1979 ، والموقّعة بواشنطن بين الرئيس المصري محمد أنور السادات وبين رئيس الوزراء الصهيوني مناحم بيغن ، وتلتها المملكة الأردنية الهاشمية بإبرام معاهدة سلام مع العدو ، ويُشار إليها باسم معاهدة وادي عربية بتاريخ 26 أكتوبر 1994، وبتوقيع هذه المعاهدة أصبحت الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر ، وثالث جهة عربية بعد مصر، ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبّع علاقاتها مع العدو ، ثمّ تلاه اتفاق التطبيع الإماراتي الصهيوني ،ويُعرف باتفاق ابراهيم ، أعلن عنه في 13 أوت 2020 ، وتلاه الاتفاق السّوداني الصهيوني ، أعلن عنه في 23 اكتوبر 2020 ، تمت الاتفاقيات برعاية امريكية ، وأنجزت مراسمها على أراضيها ، وبحضور كل رئيس أمريكي حسب مرحلته الرئاسية .
مراسم توقيع الاتفاقيات باهتة ، وهي تُبرم على خشبة المسرح السياسي الأمريكي ، تخدم مصلحة العدو الصهيوني ، وتلمّع صورته الاجرامية ، تسمح له بالتوسّع الجغرافي ، ومزيدا من النفوذ الاقتصادي والعسكري والأمني على حساب بلدان الجوار العربية القريبة والبعيدة ، ومقابل ذلك يفوز رؤساء أمريكا بسدّة الحكم لقدرتهم على كسر شوكة المقاومة العربية باستدراج كل قائد قطيع عربي ، وإغرائه بالبقاء في منصبه مدى الحياة شريطة توقيعه على اتفاق السلام ، وتتعهّد الصهيونية العالمية بحماية منصبه الأبدي .
وما تزال قائمة أخرى من دول عربية تنتظر حظّها من القبول لدى الكيان الصّهيوني ، لأن هذا الأخير يشترط على المطبّعين العرب تقديم طلب سرّي مسبق كي يحظى بالدراسة ثم القبول أو الرّفض ، لأنّ التّطبيع العلني هو نتيجة التّطبيع السّري لسنوات ، يختبر خلالها الكيان الصهيوني صدق خدمات المطبّعين العرب .
تشير التقارير الإخبارية أن التّطبيع كان سرّيا ، ومنذ سنوات طويلة قبل الإعلان عنه رسميا في احتفالية باهتة برعاية امريكية ، لغايات انتخابية تتعلّق بأمريكا والكيان الصهيوني ، المطبّعون من دول الخليج النّاشئة ، وهم متْخمون بالبترول ، غايتهم استجداء حماية عسكرية برعاية الكيان الصهيوني ، تكشف لهم نوايا وأحلام القطعان البشرية المطمئنّة في مرعاها تجترّ الكلأ ، خشية تمرّد مفاجئ يطيح بقائد القطيع المنتفخ بترولا .
قائد القطيع الخليجي مذعور من شبح الخطر الايراني ، ويرى في العدو الصهيوني منقذا من هذا الكابوس الجاثم على صدور قوّاد القطعان ، ولذلك ترى قائد القطيع في الخليج يتمسّح في ذلّة على أعتاب عتاة القتلة الصهيونيين طالبا تمكينه من أسلحة فتّاكة ، وأجهزة تنصّت لمراقبة أنفاس قطيعه البشري، وهو متْخم يحلم .
طمعت جمهورية السودان بحذف اسمها من قائمة الإرهاب الدولي وإسقاط ديونها ، هي مبررات واهية ، عصفت بها الاحتجاجات الشعبية المناهضة للتّطبيع ، جمهورية السّودان ساهم جيشها ، وفدائيوها في دحر العدوان الصهيوني على فلسطين ، وسقط شهداء سودانيون كُثُر على أرض فلسطين سنوات حرب 1948 ، و حرب 1967 ، ثمّ إنّ السّودان احتضنت قمّة اللاءات الثلاث : لا صلح ، ولا اعتراف ، ولا تفاوض ، مع العدو الصهيوني ، عُقدت قمة الخرطوم في 29 أوت 1967 ، ونتج عنها الاقرار بالثوابت العربية المتمثّلة في عودة الحق إلى أصحابه .
جغرافية السودان مغرية ، ثراء طبيعي ، مياه النيل ، أرضها مطمورة العرب ، تنوّع ثقافي وديني وعرقي خلاّق ، السودان بوّابة قارة افريقيا ، ومن السودان مضى السودانيون يحملون العلم والثقافة والدين ليتغلغل في القارة السمراء ، السودانيون قديما وحديثا رسل سلام ، لكن الاستعمار وأتباعه جعل من السودان فرقا متقاتلة للسيطرة على خيراته الباطنية .
دولة الامارات العربية ومملكة البحرين لم تكونا ــ يوما ما ــ في حرب مع الكيان الصهيوني ، ومع ذلك انجزتا اتفاق سلام معه ، وهي هرولة نحو تطبيع مجاني غايته طعنة الفلسطينيين وأحرار العالم في الظهر بخنجر عربي خليجي ، ولكن لن يجني منه المهرولون العرب سوى الشوك ، والحال أن أحرار الشارع العربي وغيرهم في العالم ، أثبتوا أنّهم ليسوا قطيعا يُستهان به ، ويُساق إلى المذبح دون مقاومة ، القطيع انفصل عن قائده العربي أسواء كان ذلك القائد الفحل : تيْسا وصوته الهَبْهَبَة أو كبْشا وصوته المَأْمَأَة أو ثوْرا وصوته الخُوَار .
الآن ، هنا وهناك ، ثار القطيع ، وعلا صوته متمسّكا بلاءات الخرطوم الثلاث ، قائد القطيع مذعور ، يُهَبْهبُ … يُمَأْمىءُ … يَخُورُ …!!! ، وحيد في الحظيرة … أبله يدور … ، يلطّخ أظلافه بالسُّمَاق …. يوقّع على فنائه … !!! .
«خُلق الحقّ أبُكَم» ــ قول مأثور ــ و لذلك هو في حاجة إلى لسان طلق وبليغ يدافع عنه : لسان الشّارع العربي صدّاح ، لسان حكيم ينطق على لسان الحقّ الأبكم فتهوي العروش ، وتنقلب كراسي السّلطة الهزّازة على الرؤوس ، ثورة القطيع حدث مريع يا رعاة التّطبيع …؟؟؟.