بقلم : د . ابراهيم جدلة
أستاذ التاريخ ، كلية الآداب والفنون والإنسانيات ، منوبة ــ تونس
أولا لا بد من الإقرار ، أنّ الانتخابات الأمريكيّة تهمّ الشعب الأمريكي بصفة أساسيّة، وصعود رئيس أو سقوطه لا يكون سوى استجابة لإرادة هذا الشعب. لكن لا بدّ من الاعتراف أيضا بأنّ الدّور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكيّة في العالم من النواحي الاقتصاديّة، والسياسيّة، والعسكريّة تجعل الجميع يتتبع باهتمام مآل الانتخابات، وتفضيل شخص على آخر، أو حزب على آخر، أملا في تغيّر وضعيّة معيّنة، أو ظهور حلول بعينها لبعض المشاكل التي كانت أمريكا طرفا فيها. لذلك نلاحظ أنّ العرب وبعض المسلمين فيهم من هلّل لبايدن ومنهم من تحسّر على ترامب، والكثير منهم اعتبر أنّ لا فرق بين الجمهوريين والديموقراطيين بالنسبة للقضايا الاستراتيجيّة وبالخصوص القضيّة الفلسطينيّة، حيث مهما كان الرئيس ولونه وتوجّهه الفكري فهو لا يجرؤ على التنصّل من التزامات قطعها على نفسه قبل حتى الترشّح ….
الآن وبعد نجاح جو بايدن، لا يخفى عليْنا، بأنّه هو رئيس الأمريكيين وليس رئيس العرب، ومن يسانده أو يحاسبه، هو الشعب الأمريكي وليس العرب أو غيرهم. كما أنّه ترشّح حسب برنامج ووعود تخصّ الأمريكيين ولا تهمّ بقيّة شعوب العالم ( إذا ما استثنينا بعض المواقف التي تخص السياسة الخارجيّة والتحالفات… ) وهو ليس مطالب بأن يرضي هذا وذاك بقدر ما هو مطالب بتقدم بلاده، ونجاحها اقتصاديّا وسياسيّا وعسكريّا….
والذي يهمنا مناقشته في هذا الصدد هو ذلك الجزء الصغير من السياسة الخارجيّة الذي يهمّ التوازنات الإقليميّة، والاستقرار السياسي في المنطقة العربيّة، وخصوصا الموقف من القضيّة الفلسطينيّة….
كلّنا يعرف أنّ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة، لها ثوابت، وعادة ما يتمّ تسطيرها في البنتاقون ( أي في وزارة الحرب ). وتختلف هذه السياسات من مرحلة إلى أخرى حسب العدوّ الرئيسي الذي يتم تحديده مُسْبقا. قبل التسعينات من القرن الماضي كان العدوّ الرئيسي هو الشق الشيوعي وعلى رأسه الاتحاد السوفياتي. ومباشرة بعد سقوط جدار برلين أصبح العدوّ الرئيسي هو ما تمّ تعريفه بالقوى الإقليمية المتنفّذة، أو ما عرف أيضا ب ” الدول المارقة أو الصعلوكة.. و نجد في هذه السلّة العراق، وإيران، وسوريا، وليبيا، وكوريا الشماليّة… وفي هذا الإطار شرع منظرو البنتاقون في استعمال مصطلحات جديدة مثل ” الفوضى الخلاّقة”، ” مشروع شرق أوسط جديد “، طبعا وللتخطيط لذلك سعت أمريكا إلى ضرب الأنظمة الرافضة للهيمنة الأمريكيّة والمقاومة للكيان الصهيوني، ونتاج ذلك كانت سلسلة الحروب التي انطلقت مع حرب الخليج الأولى وتواصلت إلى اليوم، ودخل الإسلام السياسي على الخط مستغلاّ ما عرف بالربيع العربي وهو ما ساهم في إضعاف قوى الممانعة العربيّة وانهكها، سامحا لقوى التخاذل والتطبيع بالمزيد من التنازلات على حساب القضايا العادلة للأمة العربيّة وعلى رأسها قضيّة فلسطين…
اختلفت الحكومات الأمريكية، لكن السياسات لم تختلف، غير أنّ ما وصلنا إليه في السنوات الأربع الأخيرة ، يدخل في باب التراجيديا. فهذا ترامب يفرض الجزية على دول الخليج وهم صاغرون، ثم يقرّر لوحده جعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني، والعرب صامتون، وينادي بسرقة القرن، والعرب مساندون، ولا حياة لمن تنادي….. بل إنّه تجاوز كل الأعراف الدُّوَليّة بفرض ” قانون قيْصر ” الذي يخنق سوريا وإيران وحزب الله وكل من يمدّ لهم يد المساعدة. أليس من حقّنا أن نفرح لانزياح هذا الكابوس، حتى وإن كنّا نعلم أن شيئا لن يتغيّر.
من المؤكّد انّ الكثير سيتغيّر ، تقييم جديد للربيع العربي ، ولعلاقة الإسلام السياسي بالإرهاب، تراجع دور أردوغان باختفاء صديقه دونالد ترامب…ولعلّ اهمّ شيء هو أن يختفي إلى الأبد نمط الرئيس الشعبوي الذي لا يحترم المقامات ولا الشعوب ولا الدول وهو الذي تحدّث عن دول العالم الثالث واصفا إياها ب ” الدول المراحيضيّة “.
سيتغيّر كل شيء لأنّ الصراع في السنوات المقبلة سيكون بين الصين وأمريكا، تاركين العرب يتنفّسون الصعداء، ولو لوهلة…