المرأة هي المُتسلّطة وليس الرجل…؟؟؟

المرأة هي المُتسلّطة وليس الرجل...؟؟؟

 بقلم : لطيفة الزوالي ، شاعرة و كاتبة تونسية

 يبدو أنّ أمر الهيمنة الذكورية استهوى الرجال، فراحوا يؤثثون به خطاباتهم في المنابر. وبحرقة مصطنعة تداري بريق النصر في نظراتهم ، يعلنون أمام الجميع أسفهم الشديد لهذا المرض الخطير، الذي استفحل في جنس الرجل. فحوّله إلى رجل قاس وغليظ ، و مساوم مع المرأة . هذا الكائن الضعيف والهشّ ، أيها السّادة ، توقّفوا أرجوكم عن هاته الترّهات، والتي أتحفتموها بكلمات فلسفية من النبع اليوناني استقيتموها. فإن كان غيْري من النساء قد صدّقها ، فأنا لا أصدقها. لنتمعّن الأمر سويا ، ولننظر إليه من كل الزوايا، ولنَعبُر من كل ممراته. أولا ما هو مفهوم السلطة وما غايتها ؟ السلطة هي الصراع على الوجود ، بين غريزتيْ البقاء وحفظ الذات. غايتها الهيمنة والسيطرة، والاستمرار والامتداد. منبعها الخوف ، وهذا الأخير منبعه الجهل. الوليد من رحم المرأة يُدفعُ ، وإلى حلمة ثديها يُرفعُ ، وفي حجرها يَقبعُ. المرأةُ أيضا كائن بشري أناني ، من أجل السلطة يصارع . و لأنها تحب القوة ستغرس هاته الصفة في وليدها بطرق سلبية. إذ ستفرطُ في تدليله وتبجيله. ومع كل طلب تحققه له، تُضاعف فيه الكبرياء والأنانية. و مع كل ضمّة تضمه إليها ، تنفخُ فيه روح السلطة والقيادة. الأم غالبا ما تداعب قضيب صغيرها، وما إن تلمسه حتى تتلفظ بتلك الجملة الشهيرة : ابني رجل بألف رجل !!! فهاته الحركة وهذا اللفظ ، سيكونان محور حياته عامة، و الجنسية منها خاصة. و عليهما ستبنى عقدته الذكورية. ومع أول ظهور لعلامات البلوغ ، سيزيد احساسه بالزّهو والعظمة. ماذا لو داعبتْ عقله ؟ وقالت له : هذا العقل سيكون منارة العالم. ماذا لو داعبت قلبه ؟ وقالت له : هذا القلب سيكون سكنا للخير والحب. و تمضي السنون ويكبر الطفل المدلل، ويصير رجلا قوي البنية لكنه يظل (ولد أمه) كما نقولها باللهجة العامية التونسية. وها هو من حضن أمه الحنون إلى حضن زوجته الدافىء ينتقلُ. والزوجة ، تلك الفتاة التي حازت على جزء يسير من حنان الأم ، نظرا لاستئثار أخيها بالنصيب الأوفر . فهرعت إلى أبيها تطلب الاحتواء ، بيد أنه لا يعوّض حنان الأم. تلك الفتاة الصغيرة التي اشتروا لها دمية لتعلب بها ، ففهمت دورها ونمت فيه سلطة الأم . وإن كان دور الأم أعظم دورا للمرأة إطلاقا. تلك الفتاة التي ما إن تبلغ مرحلة البلوغ حتى ينتابها شعور فظيع بالخجل والنقص.زد على ذلك تلك الكلمات المضطربة التي تُلقى على مسامعها . إذ لا معنى لها ، إنها محفوظات قديمة العهد ، لاكتها الألسن كثيرا ، فاهترأت حروفها:( إيّاك ومحادثة الرجال ، إنهم أشبه بكلاب سائبة، عودكِ الطري غايتهم القصوى. إن لوحتِ لهم اتبعوكِ، وإن نهرتهم ولّوا من غير رجعة…) ومن هنا تبدأ الفتاة بالخوف من جسدها، وبالتالي كره الجنس. و نظرا لصغر سنها من ناحية ، وسوء تربيتها لسوء حظها من ناحية أخرى، سينمو مع خوفها شعور عميق في باطنها ، يقول لها أن جسدها كنز باهظ الثمن، ولعلها تحتاج إليه في مستقبل أيامها. علّموها أن تكون خرساء. لكنها من شدة ذكائها عوّضت قسوة هذا الحرمان المرير بلغة الإشارات. وكم كانت ماهرة ومتقنة لهاته اللغة، و التي صارت فيما بعد رمزا للأنوثة الطاغية . وربما على الغواني تطلق هاته الصفة دون الأخريات. ماذا لو منحناها ثقتنا ؟، ومن ثمة بكل كبيرة وصغيرة إلينا تعود. ماذا لو قلنا لها : للحياة فصول عدّة . فلا ترمي بكل أوراقك في فصل واحد. ربما كان من الأحسن لها ولنا ، من كل هذا وذاك، لو تركناها على سجيتها .على أن نلقي بها في هوة الرعب والترهيب . بفطرتها ستدرك أنها وُلدت حرة ، و أنها عزيزة قومها . والحرة قوية، بذاتها لا تفرط. لنعد مرة أخرى إلى الرجل المدل المزهوّ بفحولته ، مع زوجته الحسناء الكارهة لجسدها. ولنرى الصراع الذي سيشبّ بينهما. هذا الزوج الذي شمّ أنفاس أمه لحد الثمالة. و الآن يريد أن يشم عطرا آخر مختلفا يدعونه سحر الأنوثة . إنه عطر قوي كقوة البراكين في اندلاعها، والبحار في عواصفها ، والصخور في انفجاراتها. لقد عاش بين غريزتين لا غير. حين يجوع بطنه يأكل، وحين يجوع قضيبه ينكح. زوجة ثائرة وعاطفتها متأججة. تحلم بالحب والاحتواء، قبل الجنس والمضاجعة. الزوج جائع للجنس؟ والزوجة جائعة للحب. فكيف سيكون اللقاء؟ فالزوج يرى الحب هو الجنس، والزوجة ترى الحب هو الحضن. وترى استسلامها مهانة وذلا وضعة. فالمرأة هنا أيضا مسيطرة . عرفت مبتغى الزوج منها، فعملت على اللعب بعقله وقلبه . فمرة تراها خاضعة، و مرة أخرى متمنعة. والزوج المدلل لم يستطع أن يعرف السرّ، ولم يبحث كثيرا عنه .إنه مادي وواقعي ، بالجسد مسكر، وعن الروح لا يعلم شيئا. والزوجة مادية كذلك ، لكنها حساسة وعنيدة ومتجبرة . فهي تريد من زوجها أن يعرفها، من دون أن تعطيه ولو شفرة واحدة لفك لغزها المعقد ، والوصول إلى بواطنها الدامسة. وربما استمرت الحال لسنوات على هاته الوتيرة المتشنجة. ويصبح الفراش موطن بؤس وشقاء. يتعب الرجل من جسد ظنه سكنا مريحا ، لكنه في الحقيقة أشبه بواد مقفر متشققة أخاديده . وتتعب المرأة من فتح فخذيها كل ليلة. فتظن حالها كحال المومس. والفرق بينهما أن المومس بازدراء وضيع يُشار إليها. بينما هي باحترام بليغ يُشار إليها . وكثير من الفتور والضجر يتسرّبان إلى قلبيهما . وكثير من البرود يتسرب إلى جسديهما. وربما كل واحد منهما سيبحث عن البديل . وما أسهل الانهيار والدخول في أزقة ضيقة و مظلمة ، أشد حلكة من ظلمة نفسيهما. ماذا لو أخذ الزوج بالعزف على أوتار روح زوجته، حتى تتفتّح براعم جسدها فتحوّلها من السيطرة إلى الاستسلام.؟ أيها السادة المنبهرون بالهيمنة الذكورية. هاته الزوجة التي شعرت باستبداد زوجها ،ستجعل من ابنها مستبدا! ويُعاد نفس المشهد. ماذا لو أحبتْ المرأة جسدها ؟ وعاشت تلك اللحظات الحميمية بكل شغف. ومحت من فكرها أنها عبدة وسلعة رخيصة، ووعاء لا غير.  لحظتها ستعلم متعة الجسد وترى لهفة زوجها واستسلامه له. علينا أن نفهم، وخاصة المرأة أن الفراش ليس نقطة ضعفها وهوانها، وحين يعتليها زوجها لا يعني أنه قزّمها، وغرس أنفها في الرغام. ومن غرابتها وتناقضاتها ، أنه حين يأتيها زوجها من دون حساب بالشهوانية تتهمه. وحين يفتر هواه نحوها، بالبرود تتهمه وربما بالخيانة. المرأة في حالة صراع دائم مع ذاتها، فظاهرها يرفض ما يريده باطنها. هذا المكان من البيت هو مركز سعادة أو شقاء الزوجين . فإن كان عفويا وتلقائيا ومن العقد خال سيكون الجنة. وإن كان متكلفا ومنقبا وبالعقد مكتظ سكون جحيما. الفراش ليس فاعلا ومفعول فيه وليس اعتلاء صهوة.إنما هو تكامل وتلاحم جسدين في جسد واحد. إنها اللحظة التي يكونان فيها متساويان . ففي كفة كل منهما شيء من السطوة، وشيء من الاستسلام. أيضا تقولون أن الرجل يسيء إلى المرأة في كل مواقعها .في الشارع والعمل ومقاعد الدراسة . حيث يساومها، ويتحرش بها، ويطلب منها بكل وقاحة الجنس مقابل المال والنجاح. هنا أفتح قوسا كبيرا ، وأين عقل المرأة ؟ أجيبوني. هل وضع سكينا حاد النصل على رقبتها، لتنفيذ رغبته الشبقية ؟ لا شىء يؤخذ بالقوة إلا بالاغتصاب. فالمرأة كانت موافقة ، وغلبتها الأنا وربما تبرّجت لاستدراج الرجل إلى فخاخها المنصوبة أشكالا وألوانا ، من قمة رأسها إلى اخمص قدميها! و ينتهي الأمر، وتغلق الصفقة. وحين تلعجها الذكرى تتنكر لفعلتها،وتلقي بذنوبها في عباءة الهيمنة الذكورية. لا…لا… هذا أمر خاطئ. فهي من أرادت ذلك، لتصل إلى ما تصبو إليه . والجسد جسدها وقد قايضت به . ولتعلموا جميعا أن المرأة هي المسؤولة عن نجاحها أو فشلها في حياتها وليس الرجل . ولعلني أقول لمن أكثرت من حقدها الدفين، وجعلت من الرجل عدوا لدودا ، وعلى الدوام تنصب له العداء، فهي على الأغلب عاهرة في فكرها ، حتى لا أقول عاهرة في جسدها. في نهاية القول الأم تريد القوة والحصن المنيع، ليدفع عنها بلاء الزوج. والزوجة تريد الصدر الحنون والقلب الدافىء، لتهبه جسدها عن طواعية. والحبيبة تريد المنيع والكريم و الرومانسي، لتستمر في حبه. ماذا عساي أقول؟ لعلكم ترونني أكره المرأة . لا والله لا أحمل شيئا ضدها . لكن أتعجبُ من غموضها ومزاجيتها وتقلبها، وحذقها في قلب الموازين لدفّتها. إن الأمر جد شائك، ومستعص بين الشريكين . فحواء نجحت في تمثيل دور المسكينة، وآدم صدّقها وراح يفتخر بهيمنته عليها. والحال أنها هي المسيطرة وليس الرجل. بذكائها الحاد لاحظت الفرق الواضح في تركيبة جسديهما . فراحت تستنبط وسائل الحيل والمكر والدهاء. وأنجع الوسائل كانتا البكاء والعتاب !. لهذا كانت روح الديانات السماوية هي الحب. هذا الإكسير الساحر الذي سيعلمنا معنى أن نحب الآخر كما نحب ذواتنا . هذا السر الذي سيعلمنا كيف نحتكم لعقولنا لنهدأ من روعة مشاعرنا ووثبة غرائزنا. . هذا السحر الذي سيعلمنا كيف نكون مرآة صافية لامعة. ترسم براءة نظراتنا، وطهارة قلوبنا، وقدسية أجسادنا. الحب سيوقظ أخلاقنا، و ضمائرنا من سباتهما العميق. لكن كيف سنعرف الحب ؟. بالعلم وحده، ولا شىء سوى العلم. إنه السلاح الذي يمزق أحجبة الجهل، حجابا تلوى الحجاب. إنه المصباح السحري .الذي يضىء لنا كل ركن من أركان عقولنا، الغارقة في العتمة. وفي كل نقطة ضياء. يتضح فهمنا للأشياء، وإدراكنا الصحيح للخطوات السليمة. إنه العلامة التي تبعدنا عن الهمجية والوحشية والغطرسة . لتضعنا في طريق المحبة والصعود قدما نحو الارتقاء. إنه العلم الذي يجعل المرأة قوية في عقلها ، ونبيلة في مشاعرها وصادقة في باطنها وظاهرها.وفي مرآتها سترى آدم في داخلها يبتسم . وليس عدوا من بعيد بها يترصد. إنه العلم الذي يجعل من الرجل إنسانا ، فيرفعه إلى مرتبة العظماء. وليس مدللا لا يرى غيره في مرآة الحياة . حينئذ سيعلمان أن البسيطة لكليهما تتسع. وسيعلمان أيضا أنهما للحب خلقا وليس للصراع، لأنهما في الأصل ذات واحدة وجسد واحد. وهذا الأخير ليس من العدل لفظه والرمي به في المهالك. فهل نصل إلى هاته المرحلة؟ أتمنى ذلك . أم أحسبني جاوزت واقعي ؟ وفي بحر الخيال كنت أعوم..!!!  

اترك تعليقاً