بقلم : د . الهادي غابري
رئيس التحرير
في تاريخ البشرية ، الديانات السماوية والقوانين الوضعية تمنع ، وتدين إزهاق أرواح البشر، ولذلك أكّدت أدبياتها على جسامة جريمة القتل العمد ، وسنّت قوانين صارمة بموجبها يُؤاخذ القاتل .
ورغم تلك الصّرامة فإنّه بين الحين والآخر تحدث جرائم قتل هنا ، أوهناك دون استئذان لأن المجرم يقترف الجريمة دون وعي ، أو بوعي منه ، ويبرّر البعض بأنّ المجرم نتاج بيئته ، وهي تبريرات واهية ، ويستثنى منها المجرم فاقد التّمييز العقلي ، و تتحمّل الدولة مسؤولية حماية نظرائها من خطره وفق قوانين مضبوطة .
تواترت ــ خلال الأيام الأخيرة بأوروبا ــ نزعات قتل عمد حصدت أرواح أبرياء ، فكان ضحيتها مُدرّس التاريخ الفرنسي صموئيل باتي بسبب حرية الرأي والتعبير التي تناول فيها ــ أثناء دروسه بالفصل ــ رسوما كاريكاتورية ساخرة ومسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، تمسّ من شعور المسلمين ، والقاتل مراهق شيشاني مسلم ، وهو في سنّ الثامنة عشرة .
وإثرها كانت حادثة كنيسة نوتردام بمدينة نيس الفرنسية التي حصدت أرواح ثلاثة أنفار في مكان عبادة مقدّس ، والقاتل تونسي مسلم ، وهو في سنّ الحادية والعشرين .
ثم كانت حادثة القتل في كنيس يهودي بمدينة فينا النمساوية والتي كان ضحيتها أربعة أنفس بريئة ، ونسبت الحادثة إلى مجموعة مسلمين .
الاعلام الغربي وجّه أصابع الاتهام إلى الإسلام السياسي والتّنظيمات الإرهابية التي تتّخذ من الاسلام قناعا بهدف تحقيق غايات سياسية لا علاقة لها بالعقيدة الاسلامية والتي يعتنقها الملايين من البشر في أنحاء العالم ، علاوة على أن الدين الاسلامي دين تسامح ، ودين حياة ، لا دين موت ، دعاة الموت هم أعداء الدين الاسلامي ، وأعداء الحياة .
التحقيق القضائي في تلك الجرائم الشنيعة ــ بفرنسا والنمسا ــ هو الذي سيكشف عن دوافع القتل ، ومدى انخراط منفّذيها في تنظيمات ارهابية من شأنها تهديد السلم الاجتماعية العالمية ، علاوة عن تأثير تلك الجرائم السلبي على عموم المسلمين في تلك البلدان ، وخاصّة أنّ بعض المسؤولين هناك عمّم الجريمة وألبسها لكلّ مسلم ، وهو تعميم مجاف للصّواب ، يجعل من المسلم إرهابيا في مخيّلة الآخر المخالف له في الدين ، وينشأ عن ذلك التّباغض بين الأديان ، وهذا مناف لحرية المعتقد والفكر الذي كرّسته الثورة الفرنسية التي انتصرت على سلطة الكنسية الدينية بأوربا ، وفصلت الدين عن الدولة .
الإرهاب مهما كان مصدره وأقنعته ــ أفراد أو جماعات أو دولة ــ فهو مرفوض ومدان ، غير مقبول ــ في الألفية الثالثة هنا أو هناك ــ ولا يمكن مؤاخذة الآخر المسلم ، وهو بريء بسبب جرم اقترفه الغير بحجّة دينية واهية .
قد تتعرّض بعض الدول الاسلامية إلى عملية ابتزاز متعدّد بسبب تورّط بعض مواطنيها في أعمال إرهاب تحت أقنعة الاسلام ، من قبل بعض الدول التي سقط فيها ضحايا ، وتتعرّض جاليات تلكم الدول المسلمة المهاجرة كذلك إلى المضايقة والنّبذ من قبل بعض المتطرّفين في الدول المُضيفة ، ويجد المتطرّفون ذريعة لدود فعل عنيفة تجاه تلك الجاليات المسلمة ، خاصة في الأجواء الحالية المشحونة بالكراهية ضد المسلمين .
مسؤولية الدول المُضيفة أخلاقية وقانونية وإنسانية ، هي ترعى الجميع دون ميز ، وتحمي الجميع دون ميز ، وتمنع أنواع الإرهاب ، وتحاسب الفاعل وفق القانون دون شيطنة دين معيّن احتراما لحرية الضمير وحرية المعتقد .