ثورة الرّبيع العربي في تونس …. من أحرقها ؟

الدكتور الهادي غابري
الدكتور الهادي غابري

كلمة رئيس التّحرير :د . الهادي غابري

لم يستقرّ ــ بعدُ ــ مصطلح ثورة الربيع العربي في تونس ، وتباينت  المصطلحات فمنها مصطلح : ثورة ، فتنة ، شرورة :=مشارّة =  المُخاصمة ، غوثة: = استغاثة ، نائرة := حادثة = عداوة ، هوشة : = هيْج =الاضطراب ، واليوم   مضت  ثلاثة عشرة  سنة ، على انبثاق الثورة التونسية بسيدي بوزيد ــ يوم 17 ديسمبر 2010 ــ إثر حادثة إشعال النّار بواسطة الغير في جسد الشاب محمد البوعزيزي ، بعد أن سُكبت عليه مواد سريعة الالتهاب ، بل قد أشعل النّار في جسده بنفسه ،  وبذلك هو فعل إرادي ، هدفه الانتحار ــ حسب تضارب الروايات ــ  وإذا كان الإشعال خارجيا فهو مبرمج من جهة غامضة  ،  وقد كانت دوافع الإشعال احتجاجية على غلظة أعوان تراتيب البلدية ، وقد أجحفوا في مصادرة حقّ الضّحيّة ، وحرمانه من لقمة العيش ، من خلال تحجير الانتصاب بعربته المحمّلة بالخضار ــ على رصيف الشارع الرئيسي ــ قرب مقرّ الولاية رمز السّلطة السّياسية المنتصبة بقصر قرطاج الرئاسي ، حادثة الاحتراق ، كانت  فجائعيّة صادمة ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي ــ عالميا ــ صورة الجسد الملتهب ، أسفر الاشتعال  عن وفاة الضحيّة  بمستشفى الحروق بالعاصمة ، وبسيدي بوزيد  ملتحمة معها المعتمديات  ،نهض حراك شعبي،  حرّ ، ثوري ، تلقائي ،  دون قيادة ، كان  شرارة ثورة ملتهبة ،  انتشرت بباقي أنحاء تونس  ، شعارها موحّد ” الشّعب يريد إسقاط النّظام ” نتج عنه  هروب هرم السّلطة الرئيس المخلوع  زين العابدين بن علي (1936 ــ 2019) إلى المملكة العربية السّعودية ، حيث وفاه الأجل ، وهناك قُبِر  ، ولكن حرية تلك الثورة  العفوية التّلقائية ،  باتت وهْما ، إذ اندسّت قوى بالدّاخل ، مدعومة بالخارج الاستعماري لإجهاض الثورة الناشئة ، والانحراف بها إلى الفوضى ، للحيلولة دون توفير تيارات وطنية بديلة من شأنها رعاية الثورة  ، ومن  ثمّ أمكن لأعداء الثورة إرساء نظام الدّولة العميقة  ، التي يحكمها ثالوث الحقد ، وهم : الجهاز البوليسي السياسي السّري ، و المال الفاسد ، والإعلام  المُضلّل ، و بذلك تمكّن أعداء الثّورة  بتحالف الإسلام السياسي مع أزلام النّظام البائد ــ أعداء الأمس ــ تحت رعاية علنية  فرنسية بباريس ــ  من إنشاء منظومة فاسدة شعارها : هو في الخطّ : أي مُوالٍ ، وهو ضدّ الخطّ : أي مُعارض / عدوّ، وجب تخوينه لسلبه القدرة على الاعتراض ، وعلى هذا الأساس احتكر أبناء المنظومة  الفاسدة مقدّرات الدّولة لصالحهم بمثابة مناجم ينهبونها  ، فيشترون الذّمم لخدمة أقليات : حزبية  أوعائلية ، أو جهوية ، أو قبَليّة ، أو دينية ــ متلوّنة  بالإسلام السياسي ، أو النّقابي ، أو اليساري المتقنّع بحقوق الإنسان ـ فُجِع شباب تونس في ثورته ، وكذلك شباب الأنظمة العربية المُقْتدية بثورة تونس ــ فاتحة ثورات الرّبيع العربي ــ أغلِقت  أسباب الرّزق في وجه الشباب التونسي بكلّ ألوانه ، ولاسيما الكفاءات العلمية ، فركب أكثرهم قوارب الموت عبر البحر ــ في هجرة قسرية ــ إلى أوروبا  ،  ــ وفي مذلّة محشورين في مراكز إيواء … ــ ، طالبين اللّجوء ، وبقايا فتات خبز ، ربّما تسُدّ الرّمق في  بلدان الصّقيع  ، وفي بلدهم تونس  ، قد تركوا وراءهم  خيرات السّماء والأرض ، ينهبها أعداء الثّورة ، يقدّمونها رشاوى إلى الغرب الاستعماري ، مقابل الحماية من قيام  ثورة أخرى ، قد تطرأ على حين غفلة  ، فتعصِف بهم ، ولكن عيون الوطنيين لا تنام ، فهي تسهر لملاحقة أبناء المنظومة الفاسدة المندسّة في مفاصل الدولة ، هادفة إلى التّخريب ، والتّعطيل ، وتجويع من ثار على بُؤر الفساد ، وهي بمثابة عقوبة ، سِمتها حرقُ ذكرى تلك الثّورة ، والإمعان في حرق كلّ من ساهم في النّهوض والإشادة بها ، كي لا يفكّر أحد في مناهضة منظومة الفساد ، وفي تونس  ، وفي غيرها من بلدان ثورات الربيع العربي  ، ورغم ذلك  سيستمرّ الصّراع بين قوى الخير والشّرّ ، ولن يهنأ بال الفاسدين  ، لأنّ  الحقّ  يعلُو ، ولا يُعلَى عليه .