حوار أجراه : الهادي غابري ، مع المخرج الفلسطيني علي نصّار
وُلد علي نصّار بالجليل ــ فلسطين المحتلّة ــ متحصّل على شهادة من مدرسة السينما بموسكو ، وشغل صحفيا ، ومصوّا بجريدة الوحدة ــ حيفا ــ وبدايته كانت سنة 1983 ، إذ أخرج فيلما وثائقيا بعنوان ” حكايات مدينة على الشّاطىء ” ، وقد أسّس جمعية مسرحية ، ثمّ أخرج سنة 1993 رواية ” المرضعة ” ، وفي سنة 1997 أخرج شريط ” درب التّبّانات ” ، وبه شارك خلال المسابقة الرّسمية في مهرجان قرطاج السّينمائي الملتئم بتونس في دورته السّابعة عشرة .
« لا يوجد عميل منذ الولادة … ولكن ضعاف النّفوس يلجأون إلى القوّة القاهرة ، ويتعاملون معها بدرجات متفاوتة …إسرائيل صنعت المخاتير ، ووضعتهم حلقة الوصل لها » .
للجمهور بهذه الكلمات ،قدّم علي نصّار شريطه ” درب التّبّانات ” ، وقد حيّى تونس بقوله : عندي شعور خاصّ تجاه تونس ، تونس بالنّسبة إلى الفلسطيني تعني الكثير ــ فهي بيته الثّاني ــ وسعادتي مزدوجة : الأولى هي ، أنّني بين أهلي ، والثّانية هي أنّني أعرض إنتاجا فلسطينيا ، رغم العراقيل التي واجهتنا في الدّاخل والخارج ، ولكن الفلسطيني ــ أين ما كان ــ فهو يحاول بثّ إنتاجه للعالم ، وقد جوّده ليكون على مستوى فنّيّ رفيع
.
*ما هي التّحوّلات التي طرأت في مسار السّينما الفلسطينية المناضلة منذ سريان اتفاق أوسلو للسّلام سنة 1993 ؟
ـــ بشكل عام ، أوسلو ، بمنطقتنا ، لم يغيّر شيئا في الخارطة السّياسيّة ، ولكن ــ للأسف الشّديد ــ أوسلو كانت إحباطا كاملا ، ولكنّ الظّروف الحاليّة وهي بمثابة كوابيس : عربيّة ودوليّة ، قد أجبرت القيادة السّياسيّة الفلسطينية الرّاهنة على السّير قُدُما لإمضاء اتفاق السّلام مع العدوّ الصّهيوني ، وفي المقابل السّينما الفلسطينيّة لم تتأثّر بمسار أوسلو للسّلام المزعوم ، ولذلك لم تتّجه صوب مواضيع الرّخاء والعلاقات الجيّدة ، وهي مواضيع قد تحتاج إلى عقود لمعرفة تأثيرات أوسلو و عملية السّلام السّينما الفلسطينية ، وقد تبدو ــ حاليا ــ شبه معدومة ،ورغم ذلك توجد محاولات سينمائية واعدة داخل الأرض المحتلّة وخارجها ، والحال أنّ عدد السّينمائيين الفلسطينيين محدود ، ونذكر منهم : ميشال خليفي ، رشيد مشهراوي ، إيليا سليمان ، علي نصّار … وغيرهم يحاولون صناعة سينما فلسطينية في ظروف سياسية معقّدة ، بل تكاد جهودهم شبه مستحيلة ، وكلّ فلسطيني ينفّذ شريطا ، هو حدث هامّ ، وكلّ شريط يُنجَز فلسطينيا ، هو طريق بناء سينما فلسطينية ، ذات معالم ومقوّمات ، ومدرسة واتّجاه ، ومع ذلك نحن مجبورون ــ في هذا المسار ــ لأنّ المشكل الفلسطيني لن يُحلّ بالكامل ، وأمّا اتفاق أوسلو فهو بداية على طريق الحلّ الذي يراه الجانب الإسرائيلي وحلفاؤه ، وهو الأقوى الذي يملي شروطه على الجهة الضّعيفة الفلسطينية .
•هل وُجِد اتجاه في السينما الفلسطينية ــ سواء في الدّاخل أو في الخارج ــ يدعو إلى التّطبيع الثّقافي مع العدوّ الصّهيوني ؟
ـــ لا أعتقد أنّه توجد سينما فلسطينية تدعو إلى التّطبيع الثّقافي مع إسرائيل ، لأنّ السّينما الفلسطينية منذ بداياتها ، هي تحكي على معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني ، ومذا يعني التّطبيع ، هل هو تبييض وجه السّياسة الإسرائيلية ؟ أو المغفرة للأجهزة القمعية الوحشيّة التي عذّبت وشرّدت شعبنا في أصقاع الدّنيا ــ حاشا وكلاّ ــ أن أجيب عوضا عن زملائي السّينمائيين الفلسطينيين ، إنّ أمر التّطبيع الثّقافي مع الكيان الصّهيوني ، غير وارد ، وهو معدوم أصلا ، ولكن نحن السّينمائيين الفلسطينيين ، ندعو إلى المحبّة والسّلام مع أيّ إنسان يروم السّلام بشكل متكافئ ، وهي سياسة سليمة ، والحال أنّ الفلسطيني بطبعه سلام لضمان الحقوق المتكافئة .
• ما هي المضامين التي تتوجّه في إطارها السّينما الفلسطينية المقاومة ــ إن وُجدت ــ بعد اتّفاق أوسلو ؟
وُجدت السّينما المقاومة في مؤسسة “صامد”حين تواجدت منظمة التحرير الفلسطينية ببيروت ، فكانت هنالك سينما فلسطينية وثائقية ، مقاومة ، تبحث في حياة الثّوار، والمجاهدين ، والمقاومين الفلسطينيين ، وهم يسعون إلى تحرير أرضهم ، ولكن بعد اجتياح إسرائيل لبيروت سنة 1982 اختفت مؤسسة ” صامد ” ، وبدأ كلّ سينمائي فلسطيني يجتهد من موقعه ، سواء في أرض الشّتات ، أو في الدّاخل لشرح الجرح الفلسطيني ، ولست أدري ، هل يمكن تسميتها بسينما مقاومة ؟ أو سينما هادفة ، غايتها شرح القضيّة الفلسطينية بأسلوب سينمائي جمالي ، يفهمه العالم كلّه ، وليس العرب فقط ، وطموحنا هو صناعة سينما هادفة ، جادّة ، تشرح للعرب وللعالم مدى الظلم والأذى اللّاحق بالإنسان الفلسطيني ، حيث حلّ ، وإذا تُريد تسميتها سينما مقاومة ، فلْيكن ذلك ، هي تقاوم من أجل الحقّ الفلسطيني ، وتدفع الظّلم ، ونحن نسعى في هذا المفهوم ، فهي إذن سينما مقاومة بالفعل .
• هل استفادة السينما الفلسطينية شكلا ومضمونا من الواقع الراهن لازمة القضية الفلسطينية ــ أي المعاناة الحالية ــ وكيف صوّرتها ؟
ـــ يستمدّ السّينمائي الفلسطيني موضوعه من الحياة ، وتبقى الاستفادة مباشرة من الوضع الراهن ، وعمق الأزمة الموجودة داخل المجتمع الفلسطيني ، بشكل خاصّ ، وهناك علاقة جذرية بين الموضوع المأخوذ للشّريط ، وبين مشكلة الإنسان الفلسطيني ، نحن بالطّبع في اتصال مباشر ، ودائم بمشاكل أهلنا ، ونحن لسنا بمعزل عن الظّواهر والمضامين والقضايا التي نعيشها حاليا ، فشريذ ” درب التّبّانات “فيه معاناة حقيقية ، ومعايشة صادقة للأحداث الجارية بالمنطقة ، ولذلك أدّى الممثّلون أدوارهم بكلّ صدق وتفاعل حقيقي .
• ما هي أبرز الاتّجاهات ، أو المدارس المؤثّرة في السّينما الفلسطينية ؟
ـــ ليس الفلسطينيون بمعزل عن السينما العربية بشكل عام ، خاصّة السّينما المصرية وهي من بدايات السينما العالمية ، وقد أفدنا منها، مثلما أفدنا من السينما اللبنانية ، والسورية ، والمغربية ،والتونسية ، نحن نفخر بهؤلاء السينمائيين وتجاربهم التي أفادتنا ، ومع ذلك لا يمكن القول بأنّ السينمائي الفلسطيني متأثّر ، أو تابع لسينما مصرية ،أو تونسية ،أو مغربية ،…لأنّ كلّ سينمائي يخرج من حيّه الشّعبي ، وبيئته ، ليعبّر عن ذالك الواقع ، وكذلك السّينمائي الفلسطيني له خصوصياته في معالجة مواضيعه ، ومن خلال وجهة نظره الخاصّة .
•ما مدى مشاركة عرب 1948 في صناعة السينما الفلسطينية إنتاجا ؟
ــــ هناك محاولات سينمائية فلسطينية بشكل عام ، وأخصّ بالذّكر السّينمائيين من أهالي 1948 ، المقيمين ــ اليوم ــ في إسرائيل ، ففيهم كوادر ، ونخب مثقّفة ، ذوي إرادة ساهموا في إثراء الحياة الثقافية ، ومع ذلك تواجهنا عوائق تحول دون الإنتاج السّينمائي ، مضافا إليها معاناتنا من سياسة التّمييز ، وبعد اتفاق أوسلو بدأ التّعامل معنا بشكل أفضل خجول ، ولكن بعد اغتيال إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل ، على يد مهووس يهودي ، متطرّف دينيا ــ من أصل يمني ــ سيطر اليمين في إسرائيل ، وتوقّف كلّ شيء ، ورجعنا القهقرى لسنوات طويلة ، وفي اعتقادي ، أنّه كان في بداية أوسلو، إمكانيات لفتح الأبواب أمام السّينما الفلسطينية ، لمزيد الحرية والحركيّة في الإنتاج السّينمائي ، ولكنّ ــ اليوم ــ على السّينمائي الفلسطيني المزيد من العمل المضاعف ، للحصول على مصادر التمويل لتنفيذ الأشرطة ، وفي الآن نفسه هو يسعى إلى كسب لقمة العيش لأهله ، في ظلّ واقع اقتصادي صعب في الداخل ، قد يمنعه من التفكير في الإنتاج السينمائي ، ورغم ذالك يوجد إنتاج سينمائي فلسطيني في إسرائيل ، بمقدار شريط أو شريطين ، وأنا متفائل بأهمية الثقافة الفلسطينية المنتشرة ، المُشعّة في أنحاء العالم ، وهذا يستدعي دعم العالم العربي لنا من خلال الإنتاج المشترك ، لأنّه لا توجد في الدّاخل مؤسسات تدعم السينما الفلسطينية .
•كيف تتعاملون مع الرقابة في اسرائل ، وكيف تصوّرون ، وتنفّذون ، فتوصلالفكر ، وهل توجد موانع تخضع النص والصورة الى الرقابة فتلجاون الى الرمز للخروج من محظورات الرقابة ؟
ــــ نواجه في إسرائيل الرقابة ، والسماح في صناعة الأشرطة ، وفي شريط ” درب التّبّانات ” لم أجد مشكلة مع الرقابة لتنفيذ الشريط ، ولكنّه حصل حوار طويل حول تنفيذه من عدمه ، وكان مبدئي ، هوعدم التّنازل عن أيّة فكرة ــ في الشّريط ــ أدّى إلى تنفيذه ، بشكله الحالي ، حسب ما أرتضيه ، و يمكن للرّقابة الإسرائيلية أـن تلعب دور المنع ، عند ظهور الشّريط في قاعات العرض ، وعندها ستكون لنا معركة أخرى آنذاك ، ولا أدري ماهي النّتائج ، ومع ذلك أنا فخور بانجاز هذا الشّريط لأوّل مرّة ، وفخور ــ أيضا ــ بمضمونه وجمالياته ، وسأصارع الرّقابة ــ إن اعترضت ـ ليصل الجمهور داخل الأرض المحتلّة .
• وظّفتَ التّراث الفلسطيني في شريط ” درب التّبّانات ” ، بدءا من العنوان ، فكيف تفسّرون اسم ” التّبّانات ” المرتبط بأسماء نجوم في السّماء ، وفي الآن نفسه له علاقة بالأرض ، مثلما هو ثابت في ذهن الفلاّح الفلسطيني ؟
ــــ “درب التّبّانات” له علاقة مباشرة بالفلاّح وتراثه الفلسطيني ، وتسمية “درب التّبّانات ” لم تأت من فراغ ، وهي تسمية شخصيّة ، لأنّني من سلالة عائلة فلاحيّة فلسطينيّة ، وأمّا الدّرب ، فهو درب الهدوء ، البركة ، الخير ، الطّمأنينة ، السّلام ، المحبّة ، ” درب التّبّانات ” هو مسلك الفلاح الفلسطيني ، عند جمعه للمحاصيل ، ليوصله إلى البيدر ــ صيفا ــ وأثناء ذهاب الفلاّح وإيّابه على المسلك نفسه يتشكّل ” درب التّبّانات ” المليء بالقشّ والتّبن ، و هذه الدّرب شبيهة بــ”درب التّبّانات ” الموجودة في السّماء ، ورمزها ـــ في الشّريط ــ : الخير ، الخبز بالنّسبة إلى الفلسطيني ، وأنا داخل الشّريط ، أبحث عن ” درب التّبّانات ” النّقيّ ، الطّاهر ، وهو عالق في طفولتي ، أمّا الآن فتلك الدّرب ملوّثة بالدّماء ، ، وهو شأن الطّفل وقد قُتِلَ أهله على الحدود ، فعاد إلى قريته عن طريق ” درب التّبّانات ” ، فوجدها غائصة في عبثية الموت ، يكسوها دم بشري ، وأمّا “درب التّبّانات ـــ في السّماء ــ فهي الظّاهرة الفلكيّة المضيئة على الأرض لهداية الإنسان ، ولكن تلك الدّرب معدومة الأثر على البسيطة ، وأملنا وثيق في عودتها إلينا .
• في الشّريط أبرزتم شخصية محمود ، فكادت أن تكون محوريّة ، ولهذا الاسم دلالة دينية في الوجدان العربي الإسلامي ، غير أنّ تلك الشّخصيّة فاقدة للذّاكرة ، بل هي مجنونة ، فلماذا وظّفتموها ، هل هو هروب من الرّقابة ، أم لتحقيق هدف فنّيّ جماليّ ، أم أنّ الإنسان الفلسطيني ، وقد تأزّم ، فأصبح مجنونا ، وتلك حالة مرضيّة استشرت ، بعد إبرام اتفاق السّلام ؟
ـــ محمود شخصية غير مجنونة ، ولكن عندما فقَدت تلك الشخصية أهلها ، توقّف نموّها العقلي ، وكان بإمكان محمود ، أن يكون أنسانا مثقّفا مفيدا للجميع ، ولكنّه فَقَدَ حنان الأبوّة ودفء البيت ، فلجأ إلى القرية فاقدا للذّاكرة ، ومحمود هو المُعبّر عن الجرح الفلسطيني ، وهو ملح الأرض بالنّسبة إلى القضيّة الفلسطينيّة ، وتلك الشّخصيّة مُركّبة بمنتهى الصّعوبة سنيمائيّا ، فلم أضف عليه صبغة المجنون ، هو إنسان على الحافّة : صريح ، أبيض ، أسود ، بسيط ، وفي بعض المشاهد يلعب دور الأجدب ، أو يقوم بدور طفل من أطفال القرية ، أو طفل المختار ، تلك القوّة القاهرة في البلد ، مدعومة من قِبَل المحتلّ.
• في التّراث الفلسطيني ، شخصية المختار مؤثّرة ، وقد تواطأت مع سلطات الاحتلال من أجل مركزها ، ونفوذها المالي والسّياسي ، ولكنّ المختارــ في الشّريط ــ حين فقَدَ ابنه ، عاد إليه وعْيَه ، فالتفّ مع أهاليه ، ودافع عنهم ، فهل يعني ذلك أنّك تدافع عن براءة الفلسطيني المتعاون مع المحتلّ، وخاصّة ذالك الذي صحا ضميره، وهي طبيعة الفلسطيني المذنب ، فهو يرجع إلى حضن أهله ، ليصلح ما أفسده ؟
ـــ لا يوجد عميل منذ الولادة … ولكن ضعاف النّفوس يلجأون إلى القوّة القاهرة ، ويتعاملون معها بدرجات متفاوتة … وشخصية المختار في “درب التّبّانات “شخصية مركّبة ، ففي حرب 1936 ، وسنة 1948 ، كان ثائرا فلسطينيا وقد استشهد أخاه ، لكنّ إسرائيل هي التي صنعت المخاتير ، وبحثت عن ضعاف النّفوس فوضعتهم حلقة الوصل لها ، وفلسفتي في هذه الشخصية أنْ يلاحظ المشاهد عودة المختار، بشكل أو بآخر إلى حضن أهله وشعبه ، وإن حتّمت مصلحته تلك العودة الاضطرارية ، فقد بات في مأزق ، فإذا هو اعترف بأنّ ابنته ، هي التي زوّرت التّصاريح ، فسوف يُعْزل من منصب المختار ، ولذلك لمّ المسألة ، واتّهم ابنه المتوفَّى بالتّزوير ، خدمة لمصالحه الشخصية ، ليظهر للعيان أنّه عائد ، ولكنّه لم يعد بشكل جلّيّ إلى حضن شعبه ، مع أنّ مصلحته الشّخصية تواجدت مع شعبه .
• أدباء فلسطينيون مبدعون ، وظّفوا التّراث الفلسطيني ــ مُتعدّد المشارب والتّواريخ ــ توظيفا فنيّا ، خدمة لأهداف القضيّة الفلسطينية ، ونذكر منهم : إميل حبيبي ، غسّان كنفاني ، توفيق فياض ، وجبرا إبراهيم جبرا ، رشاد أبو شاور، ليانة بدر، سحر خليفة …فهل فكّرتم ــ يوما ما ــ في تحويل بعض تلك الإبداعات التّراثيّة المكتوبة إلى أشرطة سينمائية ؟
ــ يملك الشعب الفلسطيني تراثا كبيرا ، عريقا ، وأنا معتزّ بتلك الأسماء التي تفضّلت بذكرها ، وهي أسماء كانت وما تزال في مقدّمة الأدب الفلسطيني ، و صدارته ، وللمفاجأة ــ هناك ــ مشروع سينمائي قد كتبتُ نصّه ، واسمه “الشّهر التّاسع” وفيه توظيف للتّراث بشكل عميق إذ التّراث الفلسطيني مُعبِّر جيّد ، ويمتاز بإسقاطاته على الظّرف السّياسي الحالي ،قد استفدت من حكايات عرفتها في طفولتي ، فكانت إسقاطا على واقعنا الحالي ، والسّينما الفلسطينية ، هي حاجة إلى مثل هذه المواضيع التّراثية وهي في حاجة ــ أيضا ــ إلى التّفجير السينمائي خدمة لأغراضنا الوطنية .
• ماذا يمثّل التّصريح في الذهن الفلسطيني ؟ هل هو ورقة عبور؟ أم هو نكتة سياسية ؟
ـــ التّصريح يسكن باطن الإنسان الفلسطيني دائما ، ولو كان مقيما ببيته ــ بين أربعة جُدْران داخل إسرائيل ــ والسّبب أنّ الحاكم العسكري الإسرائيلي ، قد فرض على كل فلسطيني ، إذا أراد التّحرّك : عليه الحصول على تصريح من الحاكم العسكري ، و مثل هذا الضّرب من قيد الحريات الإنسانية ، و يشمل ــ أيضا ــ قضاء الحاجات البشرية الضرورية ، جعل التّصريح نكتة سياسيّة ، والحال أنّ إسرائيل ، قد فرضت قيتو على الأقلية الفلسطينية في الدّاخل ، مضافا إليها ضريبة الرأس ، وتعني معاملة الفلسطيني مِثلَ ماشية من الحيوانات ، وعليه يتعمّد الحاكم العسكري الإسرائيلي عَدَّ أفراد الأسرة الفلسطينية بالرّأس ، عوِض ذكر الأسماء ، وهدفه تجريدهم من صفتهم البشريّة ، وإدراجهم في الحيوانية ، فيُجْبَر رئيس العائلة على دفع ضريبة مالية مقرّرة عل كلّ رأس من منظوريه بما فيها ضريبة على رأسه ، وهكذا نهج هو هتك وخرق لحقوق الإنسان بصفة عامّة ، وهذه حقيقة تاريخية تستوجب التوثيق لتعلق بذاكرة أحرار العالم ، وقد يعتقد البعض بأنّنا ــ في الدّاخل ــ نعيش نعيم جنة عدن ، و لكنّ الحقيقة عكسية ، نحن نعيش المعاناة والمضايقات اليومية ، والاغتصاب النّفسي ، الجسدي المتواصلان ، تحت أنظار المجموعة الدّولية .
• يقول إميل حبيبي ، نحن أهل 1948 ، عانينا الاحتلال ، وبقينا بالداخل نقاوم، فأسّسنا ثقافة وطنية فلسطينية مقاومة ، وأسّسنا روابط مع إخواننا : الأدباء الإسرائيليين من ذوي الاتجاه الديمقراطي الإنساني ، فهل توافقون هذا الاتجاه ؟ وهل يوجد بعض سينمائيين إسرائيليين من ذوي النزعة الإنسانية يتعاطفون معكم في قضاياكم ؟
ــ إنّي أوافق ما قاله إميل حبيبي ، نحن أهل 1948 بنينا ثقافة تحافظ على الهوية الفلسطينية في الداخل ،رغم الحواجز والصّعاب ، فنحن في احتكاك يومي مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ، ويوجد فعلا سينمائيون إسرائيليون يريدون السلام ، ويصنعون أشرطة لصالح القضية الفلسطينية ، ولكن لا أطلب من فنّان يهودي أن يحلّ محلّي ، ويشرح قضيّتي ، أنا أشرح قضيّتي بأسلوبي الخاصّ ــ في إسرائيل ــ نكنّ الاحترام والتّقدير لبعض السّينمائيين الإسرائيليين الذين طرحوا القضية الفلسطينية بشكل مفيد ، مثل : يوري باباراش و دافيد شتريب .. وآخرون ، هؤلاء الرافضين لاضطهاد الآخر ، وأنا أتعامل مع عناصر يسارية ، وأنا فخور بهم ، فهم يفهمون قضيّتي .
• حمل أحد أفراد الشّريط اسما ثلاثيا مركّبا وهو : موسى ، إبراهيم ، يعقوب ، فما تفسير ذلك ؟
الديانات من أصل واحد : إبراهيم النّبيّ ، هو جدّنا ، والدّيانات مصدرها هذه الأسماء ، ونحن بشَر، فوجب التّعامل مع الفلسطيني بصفته صاحب حقّ وقِيَم ، بغضّ النّظر عن دينه ، وانتمائه السّياسي .